«دحاها : من الدحو بمعنى الإنبساط ، وفسّرها بعضهم بتحريك الشيء ونقله من مكانه. وللمعنيين أصل واحد ، لوجود التلازم بينهما.
ويقصد بدحو الأرض ، إنّها كانت في البداية مغطاة بمياه الأمطار الغزيرة التي انهمرت عليها من مدّة طويلة ، ثم استقرت تلك المياه تدريجياً في منخفظات الأرض ، فشكلت البحار والمحيطات ، فيما علت اليابسة على أطرافها ، وتوسعت تدريجياً ، حتى وصلت لما هي عليه الآن من شكل ، (وحدث ذلك بعد خلق السماء والأرض).
وبعد دحو الأرض ، وإتمام صلاحيتها لسكنى وحياة الإنسان ، يأتي الحديث في الآية التالية عن الماء والنبات معاً : (أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعهَا).
ويظهر من التعبير القرآني ، إنّ الماء قد نفذ إلى داخل الأرض باديء ذي بدء ، ثم خرج على شكل عيون وأنهار ، حتى تشكلت منهما البحيرات والبحار والمحيطات.
«المرعى : اسم مكان من (الرعي) ، وهو حفظ ومراقبة امور الحيوان من حيث التغذية وما شابهها. ولهذا ، تستعمل كلمة (المراعاة) بمعنى المحافظة والمراقبة وتدبير الامور.
ثم ينتقل البيان القرآني إلى الجبال ، حيث ثمّة عوامل تلعب الدور المؤثر في استقرار وسكون الأرض ، مثل : الفيضانات ، العواصف العاتية ، المدّ والجزر ، والزلازل .. فكل هذه العوامل تعمل على خلخلة استقرار الأرض ، فجعل الله عزوجل الجبال تثبيتاً للأرض ، ولهذا تقول الآية : (وَالْجِبَالَ أَرْسهَا).
«أرسى : من رسو ، بمعنى الثبات ، وأرسى : فعل متعد ؛ أي ، ثبّت الجبال في مواقعها.
وتلخص الآية التالية ما جاء في الآيات السابقة : (مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ).
كل ذلك ، ليغرف الإنسان من نِعم الله.
وما جاء في الآيات يبرز قدرته سبحانه على المعاد من جهة ، ويدلل من جهة اخرى على وجود الله تعالى وعظمة شأنه ، ليدفع المخلوق إلى الإذعان بسلامة سلك طريق معرفة الله وتوحيده.
(فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى (٣٤) يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى (٣٥) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى (٣٦) فَأَمَّا مَنْ طَغَى (٣٧) وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (٣٨) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (٣٩) وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (٤٠) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى) (٤١)