ويعرض لنا القرآن لوحة اخرى : (وَالَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ).
«عسعس : من العسعسة ، وهي رقة الظلام في طرفي الليل (أوّله وآخره). وبالرغم من اطلاق هذه المفردة على معنيين متفاوتين ، ولكن المراد منها في هذه الآية هو آخر الليل فقط بقرينة الآية التالية لها ، وهو ما يشابه القسم الوارد في الآية (٣٣) من سورة المدّثّر : (وَالَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ).
ويأتي القَسم الثالث والأخير من الآيات : (وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ).
ويأتي هذا الوصف في سياق ما ورد في سورة المدّثّر ، فبعد القسم بإدبار الليل ، قال : (وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ) ، فكأنّ الليل ستارة سوداء قد غطت وجه الصبح ، فما أن أدبر الليل حتى رفعت تلك الستارة فبان وجه الصبح مشرقاً ، وأسفر للحياة من جديد.
وتجسّد الآية التالية جواب القسم للآيات السابقة : (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ).
فالجواب موجّه لمن اتّهم النبّي صلىاللهعليهوآله باختلاق القرآن ونسبته إلى الباري جلّ شأنه.
وقد تناولت هذه الآية وما بعدها خمسة أوصاف لأمين وحي الله جبرائيل عليهالسلام ، وهي الأوصاف التي ينبغي توفرها في كل رسول جامع لشرائط الرسالة ...
فالصفة الاولى : إنّه كريم : إشارة إلى علوّ مرتبته وجلالة شأنه.
ومن صفاته أيضاً : (ذِى قُوَّةٍ عِندَ ذِى الْعَرْشِ مَكِينٍ).
«ذي العرش : ذات الله المقدسة.
مع أنّ الله مالك كل عالم الوجود ، فقد وصف بذي العرش لما للعرش من أهميّة بالغة على غيره (سواء كان العرش بمعنى عالم ما وراء الطبيعة ، أو بمعنى مقام العلم المكنون).
أمّا وصفه ب ذي قوّة (أي : صاحب قدرة) ، لما للقدرة العظيمة والقوّة الفائقة من دور مهم وفعّال في عملية حمل وإبلاغ الرسالة.
«مكين : صاحب منزلة ومكانة.
والتعبير ب عند هو الحضور المقامي والقرب المعنوي.
وتتناول الآية التالية الصفة الرابعة والخامسة : (مُّطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ).
ويستفاد من الروايات : إنّ جبرائيل ينزل أحياناً وبصحبته جمع كبير من الملائكة في حال ابلاغه للآيات القرآنية المباركة ، وهو ما يوحي بأنّه مطاع بينهم ، وهو ما ينبغي أن يكون في كل امّة تتبع رسولاً ، فلابدّ من إطاعتها له.