جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مّن سِجّيلٍ مَّنضُودٍ) (١).
ويضيف الباريء عزوجل بقوله : (نّعْمَةً مّنْ عِندِنَا كَذلِكَ نَجْزِى مَن شَكَرَ).
إنّ لوطاً عليهالسلام قد أتمّ الحجة على قومه قبل أن ينزل البلاء عليهم ، حيث يوضّح الله سبحانه هذه الحقيقة فيقول تعالى : (وَلَقَدْ أَنذَرَهُم بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ).
«بطش : على وزن (فرش) وتعني في الأصل أخذ الشيء بالقوة ، ولأنّ المجرم لا يؤخذ إلّا بالقوة ليلقي جزاءه ، لذلك فإنّها تعني المجازاة.
«تماروا : من تمارى بمعنى محادثة طرفين لإيجاد الشك وإلقاء الشبهة مقابل الحق ، فهؤلاء سعوا بطرق مختلفة إلى إلقاء الشكوك والشبهات بين الناس لإبطال تأثير إنذارات هذا النبي العظيم لوط عليهالسلام.
ولم يكتف هؤلاء المعاندون بإلقاء الشبهات العقائدية بين الناس ، بل بلغت بهم الوقاحة والصلف وعدم الحياء حدّاً أنّهم تجرّؤوا على ملائكة الرحمن وضيوف النبي الكريم المأمورين بعذاب هؤلاء القوم حينما دخلوا بيت لوط عليهالسلام بصورة شباب وسيمين ، حيث يقول سبحانه : (وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَن ضَيْفِهِ). أي أنّهم طلبوا منه أن يضع ضيوفه تحت تصرفهم.
لقد بلغ الألم الذي اعترى لوطاً عليهالسلام حدّاً لا يطاق نتيجة هذا التصرف القبيح والمخجل لقومه ، وطلب بإصرار أن يكفّوا عن هذا السلوك المشين المخجل البعيد عن الشرف والحياء. بل وأبدى إستعداده عليهالسلام لتزويج بناته لهم ـ إن أعلنوا توبتهم ـ وهذه أعلى حالات المظلومية التي يتعرض لها هذا النبي الكريم من قبل قوم عديمي الحياء والإيمان والقيم الخيرة ، كما في قوله سبحانه : (قَالَ هؤُلَاءِ بَنَاتِى إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ) (٢).
ولم يمض وقت طويل حتى واجهت هذه الفئة المجرمة الباغية الجزاء الأوّلي لعملهم الإجرامي حيث يقول في ذلك سبحانه : (فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُقُوا عَذَابِى وَنُذُرِ).
إنّ يد القدرة الإلهية إمتدّت لتنتقم من هؤلاء القوم المجرمين ، وذلك بأن طمست على أعينهم ، حيث يقول البعض بأنّ جبرائيل قد امر أن يخفق بجناحهم على عيونهم حيث فقدوا
__________________
(١) سورة هود / ٨٢.
(٢) سورة الحجر / ٧١.