(لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ).
«الشفق : اختلاط ضوء النهار بسواد الليل عند غروب الشمس. ف الشفق هو وقت الغروب.
فقد جاء القسم بالشفق للفت الأنظار إلى ما في هذه الظاهرة السماوية الجميلة من معان ، فمنه تُعلن حالة التحول العام من النهار إلى الليل ، إضافة لما يتمتع به من بهاء وجمال ، وكونه وقت صلاة المغرب.
وأمّا القسم بالليل ، فلما فيه من آثار كثيرة وأسرار عظيمة (وقد تناولنا ذلك مفصلاً).
«ما وسق : إشارة إلى عودة الإنسان والحيوانات والطيور إلى مساكنها عند حلول الليل (بلحاظ كون الوسق بمعنى جمع المتفرق) ، فيكون عندها سكناً عاماً للكائنات الحية ، وهو من أسرار وآثار الليل المهمة.
وينبغي الإلتفات إلى الصلة الموجودة فيما أقسمت الآيات بهن : (الشفق ، الليل ، ما اجتمع فيه ، والقمر في حالة البدر) وجميعها موضوعات مترابطة ويكمل بعضها البعض الآخر ، وتشكل بمجموعها لوحة فنية طبيعية رائعة ، وتحرّك عند الإنسان التأمل والتفكير في عظمة ودقّة وقدرة الخالق في خلقه ، ويمكن للإنسان العاقل بتأمّل هذه التحولات السريعة من التوجّه إلى قدرته جلّ شأنه على المعاد ما يحمل بين طياته من تغيّرات في عالم الوجود.
ثم يأتي جواب القسم الوارد في الآيات أعلاه : (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ).
إشارة إلى المراحل والتحوّلات التي يمرّ بها الإنسان في حياته ؛ منها :
تلك الحالات المختلفة التي يمرّ بها الإنسان في كدحه وسيره المضني نحو الله جلّ وعلا ، فيبدأ بحالة الدنيا ، ثم ينتقل إلى عالم البرزخ ومنه إلى القيامة والآخرة.
ومن كل ما سبق .. يخرج القرآن الكريم بنتيجة : (فَمَا لَهُمْ لَايُؤْمِنُونَ).
فمع وضوح أدلة الحق ؛ مثل أدلة : التوحيد ، معرفة الله ، المعاد ، بالإضافة إلى ما من الآفاق في آيات ، وكذلك الآيات التي في نفس الإنسان.
وينتقل بنا العرض القرآني من كتاب (التكوين) إلى كتاب (التدوين) ، فيقول : (وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْءَانُ لَايَسْجُدُونَ).
القرآن تتلألأ أنوار الإعجاز من بين جنباته ، ويشهد محتواه على أنّه من الوحي الإلهي وكل منصف يدرك جيداً لدى قراءته له أنّه فوق نتاجات عقول البشر ولا يمكن أن يصدر من إنسان مهما كان عالماً.