وتعرض لنا الآية التالية ما سيناله المؤمنون من ثواب : (إِنَّ الَّذِينَءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ).
وأيّ فوز أرقى وأسمى من الوصول إلى جوار الله ، والتمتع في نعيمه الذي لا يوصف! نعم ، فمفتاح ذلك الفوز العظيم هو (الإيمان والعمل الصالح) ، وما عداه فروع لهذا الأصل.
ويعود القرآن مرّة اخرى لتهديد الكفار الذين يفتنون المؤمنين ، فيقول : (إِنَّ بَطْشَ رَبّكَ لَشَدِيدٌ).
ولا تظنوا بأنّ القيامة أمر خيالي ، أو إنّ المعاد من الامور التي يشك في صحة تحققها ، بل : (إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ).
«البطش : تناول الشيء بصولة وقهر ، وباعتباره مقدمة للعقاب ، فقد استعمل بمعنى العقاب والمجازاة ؛ ربّك : تسلية للنبيّ صلىاللهعليهوآله ، وتأكيد دعم الله اللامحدود له.
ثم يعرض لنا القرآن الكريم خمسة أوصاف للباري جلّ شأنه : (وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ). الذي يغفر للتائبين ويحب المؤمنين.
(ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ). صاحب الحكومة المقتدرة على عالم الوجود وذو المجد والعظيمة. (فَعَّالٌ لّمَا يُرِيدُ).
فذكر هذه الأوصاف بعد ما تضمّنته الآيات السابقة من تهديد ووعيد ، يبيّن أنّ طريق العودة إلى الله سالك وأنّ باب التوبة مفتوح لكل من ولغ في الذنوب ، فالباري جلّت عظمته في الوقت الذي هو شديد العقاب فهو الغفور الرحيم أيضاً.
(هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (١٧) فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ (١٨) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (١٩) وَاللهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ (٢٠) بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (٢١) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ) (٢٢)
(ألم تر ما حلّ بجيش فرعون وثمود :) فيما تعرضت الآيات السابقة لقدرة الله المطلقة وحاكميته ، ولتهديد الكفار الذين يفتنون المؤمنين .. تتعرض الآيات أعلاه لما يؤكّد هذا التهديد ، فتخاطب النبي صلىاللهعليهوآله قائلة : (هَلْ أَتَيكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ). تلك الكتائب الجرارة التي وقفت بوجه أنبياء الله بتصورها الساذج بأنّها ستقف أمام قدرة الله عزوجل.
وتشير إلى نموذجين واضحين ، أحدهما من غابر الزمان ، والآخر في زمن قريب من صدر دعوة الإسلام : (فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ).