بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ
(سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (١) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (٢) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى (٣) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى (٤) فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى) (٥)
تسبيح الله : تبدأ السورة بخلاصة دعوة الأنبياء عليهمالسلام ، حيث التسبيح والتقديس أبداً لله الواحد الأحد ، فتخاطب النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله بالقول : (سَبّحِ اسْمَ رَبّكَ الْأَعْلَى).
فمراد الآية أن لا يوضع اسمه جلّ شأنه في مصاف أسماء الأصنام ، ويجب تنزيه ذاته المقدسة من كل عيب ونقص ، ومن كل صفات المخلوق وعوارض الجسم ، أي أن لا يحد.
(الْأَعْلَى) : أي الأعلى من كل : أحد ، تصوّر ، تخيّل ، قياس ، ظن ، وهم ، ومن أي شرك بشقيه الجلي والخفي.
(رَبّكَ) : إشارة إلى أنّه غير ذلك الرب الذي يعتقد به عبدة الأصنام.
وبعد ذكر هاتين الصفتين (الربّ والأعلى) ، تذكر الآيات التالية خمس صفات تبيّن ربوبية الله العليا ... : (الَّذِى خَلَقَ فَسَوَّى).
فنظام عالم الخليقة ، بدءاً من أبسط الأشياء ، كبصمات الأصابع التي أشارت إليها الآية (٤) من سورة القيامة : (بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَن نُّسَوّىَ بَنَانَهُ). وانتهاءً بأكبر منظومة سماوية كلّها شواهد ناطقة على ربوبية الله سبحانه وتعالى ، وأدلة إثبات قاطعة على وجوده عزوجل.
وبعد ذكر موضوعي الخلق والتنظيم ، تنتقل بنا الآية التالية إلى حركة الموجودات نحو الكمال : (وَالَّذِى قَدَّرَ فَهَدَى).
والمراد ب (قدّر) ، هو : وضع البرامج ، وتقدير مقادير الامور اللازمة للحركة باتجاه الأهداف المرسومة التي ما خلقت الموجودات إلّالأجلها.
والمراد ب (هدى) هنا ، هو : الهداية الكونية ، على شكل غرائز وسنن طبيعية حاكمة على كل موجود (ولا فرق في الغرائز والدوافع سواء كانت داخلية أم خارجية).
فمثلاً ، إنّ الله خلق ثدي المرأة وجعل فيه اللبن لتغذية الطفل ، وفي ذات الوقت جعل عاطفة الامومة شديدة عند المرأة ، ومن الطرف الآخر جعل في الطفل ميلاً غريزياً نحو ثدي امّه ، فكلّ هذه الإستعدادات والدوافع وشدّة العلاقة الموجودة بين الام والإبن والثدي