يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبّ زِدْنِى عِلْمًا). وكذا الآية (١٦ و ١٧) من سورة القيامة : (لَاتُحَرِّكُ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْءَانَهُ) تدخل في سياقهما.
ولإثبات قدرته سبحانه وتعالى ، وأنّ كل خير منه ، تقول الآية : (إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى).
ولا يعني هذا الإستثناء بأنّ النسيان قد أخذ من النبي صلىاللهعليهوآله وطراً ، وإنّما هو لبيان أنّ قدرة حفظ الآيات هي موهبة منه سبحانه وتعالى ، ومشيئته هي الغالبة أبداً ، وإلّا لتزعزعت الثقة بقول النبيصلىاللهعليهوآله.
فمن معاجز النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله ، قابليته على حفظ الآيات والسور الطوال بعد تلاوة واحدة من جبرائيل عليهالسلام ، دون أن ينسى منها شيئاً أبداً.
وتخاطب الآية التالية النبي الكريم صلىاللهعليهوآله مسلية له : (وَنُيَسّرُكَ لِلْيُسْرَى). أي : إخبار النبيّ بصعوبة الطريق في كافة محطاته ، من تلقي الوحي وحفظه حتى البلاغ والنشر والتعليم والعمل به ، وتطمئنه بالرعاية والعناية الربانية ، بتذليل صعابه من خلال تيسيرها له صلىاللهعليهوآله.
وبعد أن تبيّن الآيات العناية الربانية للنبي الأكرم صلىاللهعليهوآله ، تنتقل إلى بيان مهمته الرئيسية : (فَذَكّرْ إِن نَّفَعَتِ الذّكْرَى).
قيل : الإشارة هنا إلى أنّ التذكير بحدّ ذاته نافع ، وقليل اولئك الذين لا ينتفعون به ، والحد الأدنى للتذكير هو إتمام الحجة على المنكرين ، وهذا بنفسه نفع عظيم.
وتقسم الآيات التالية الناس إلى قسمين ، من خلال مواقفهم تجاه الوعظ والإنذار الذي مارسه النبي صلىاللهعليهوآله ... : (سَيَذَّكَرُ مَن يَخْشَى).
نعم ، فإذا ما فقد الإنسان روح الخشية والخوف ممّا ينبغي أن يخاف منه ، وإذا لم تكن فيه روحية طلب الحق ـ والتي هي من مراتب التقوى ـ فسوف لا تنفع معه المواعظ الإلهية ، ولا حتى تذكيرات الأنبياء ستنفعه ، على هذا الأساس كان القرآن هدًى للمتّقين.
وتذكر الآية التالية القسم الثاني ، بقولها : (وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى).
ويعرض لنا القرآن عاقبة القسم الثاني : (الَّذِى يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى) .. (ثُمَّ لَايَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى). أي ، لا يموت ليخلص من العذاب ، ولا يعيش حياةً خالية من العذاب ، فهو أبداً يتقلقل بالعذاب بين الموت والحياة.
إنّ وصف نار جهنم ب الكبرى مقابل (النار الصغرى) في الحياة الدنيا.