ولو تأملنا حقيقة مشاكلنا فيما بيننا ، لرأينا أنّ الغالب منها ما كان ناشئاً عن سماع هكذا أحاديث ، والتي تؤدي إلى عدم الإستقرار النفسي ، وإلى تهديم أركان الترابط الاجتماعي فينهار النظام وتشتعل نيران الفتن لتأكل الأخضر واليابس معاً.
وبعد ذكر القرآن لما يتمتع به أهل الجنة من نعمة روحية ، يبيّن بعض النعم المادية في الجنة : (فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ).
تلك الأنهار أنّها تجري حسب رغبة أهل الجنة فلا داعي معها لشقّ أرض أو وضع سد.
وينهل أهل الجنة أشربة طاهرة ومتنوعة ، فتلك العيون وعلى ما لها من رونق وروعة ، فلكلّ منها شراب معين له مواصفاته الخاصة به.
وينتقل الوصف إلى أسرّة الجنة : (فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ). سرر : جمع (سرير) ، وهو من (السرور) ، بمعنى المقاعد التي يجلس عليها في مجالس الانس والسرور.
وجعلت تلك الأسرّة من الإرتفاع بحيث يتمكن أهل الجنة من رؤية كل ما يحيط بها والتمتع بذلك.
ولمّا كان شرب الشراب يستلزم ما يشرب به ، فقد قالت الآية التالية : (وَأَكْوَابٌ مَّوْضُوعَةٌ).
ومتى ما أرادوا الشرب ارتفعت تلك الأكواب لتصل بين أيديهم وقد ملئت من شراب تلك العيون ، فيستلذون بما لا وصف له عند أهل الدنيا.
«أكواب : جمع (كوب) ، وهو القدح ، أو الظرف الذي له عروة.
ويستمر الحديث عن جزئيات نعيم الجنة : (وَنَمَارِقُ مَّصْفُوفَةٌ).
«نمارق : جمع (نمرقة) ، وهي الوسادة الصغيرة التي يتكأ عليها.
«مصفوفة : إشارة إلى تعددها بنظم خاص ، ليظهر أنّ لأهل الجنة جلسات انس جماعية ، التي لا يتخللها أي لغو وباطل ، ويدور الحديث فيها حول الألطاف الإلهية ونعمه الخالدة ، وعن الفوز الحقيقي الذي أبعدهم عن عذاب الآخرة.
ثم تكون الإشارة إلى فرش الجنة الفاخرة : (وَزَرَابِىُّ مَبْثُوثَةٌ).
«زرابية : جمع (زرب) أو (زربيّة) ، وهي الفرش والبسط الفاخرة ذات المتكأ.