(فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (١٥) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (١٦) كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (١٧) وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (١٨) وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلاً لَمّاً (١٩) وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً) (٢٠)
موقف الإنسان من تحصيل النعمة وسلبها : بعد أن تحدثت الآيات السابقة عن عقاب الطغاة ، وتحذيرهم وإنذارهم ، تأتي هذه الآيات لتبيّن مسألة الإبتلاء والتمحيص وأثرها على الثواب والعقاب الإلهي ، وتعتبر مسألة الإبتلاء من المسائل المهمّة في حياة الإنسان.
وتشرع الآيات ب : (فَأَمَّا الْإِنسنُ إِذَا مَا ابْتَلهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبّى أَكْرَمَنِ).
وكأنّه لا يدري بأنّ الإبتلاء سنّة ربانية تارة يأتي بصورة اليسر والرخاء واخرى بالعسر والضراء.
(وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبّى أَهَانَنِ).
فيأخذه اليأس ، ويظن إنّ الله قد ابتعد عنه ، غافلاً عن سنّة الإبتلاء في عملية التربية الربانية لبني آدم ، والتي تعتبر رمزاً للتكامل الإنساني ، فمن خلال نظرة ومعايشة الإنسان للإبتلاء يرسم بيده لوحة عاقبته ، فأمّا النعيم الدائم ، وأمّا العقاب الخالد.
وتأتي الآية (٥١) من سورة فصّلت في سياق الآيتين : (وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنسنِ أَعْرَضَ وَنَا بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ). وكذا الآية (٩) من سورة هود : (وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنسنَ مِنًّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيُوسٌ كَفُورٌ).
وتوجه الآيتان التاليتان نظر إلى الإنسان والأعمال التي تؤدّي بحق للبعد عن الله ، وتوجب عقابه : (كَلَّا). فليس الأمر كما تظنون من أنّ أموالكم دليل على قربكم من الله ، لأنّ أعمالكم تشهد ببعدكم عنه ، (بَل لَّاتُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ) .. (وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ).
والملاحظ أنّ الآية لم تخص اليتيم بالإطعام بل بالإكرام ، لأنّ الوضع النفسي والعاطفي لليتيم أهم بكثير من مسألة جوعه.
فلا ينبغي لليتيم أن يعيش حالة الإنكسار والذلة بفقدان أبيه ، وينبغي الإعتناء به