والعشق ، والإرادة ، والعزم ونظائرها من الظواهر المندرجة في إطار علم النفس.
ولو كان المراد من النفس الروح والجسم معاً ، فالتسوية تشمل أيضاً ما في البدن من أنظمة وأجهزة يدرسها علم التشريح وعلم الفسلجة.
وفي القرآن الكريم وردت نفس بكلا المعنيين.
والأنسب هنا أن يكون معنى النفس هنا شاملاً للمعنيين لأنّ قدرة الله سبحانه تتجلى في الإثنين معاً.
الآية التالية تتناول أهم ظاهرة في الخليقة وتقول : (فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَيهَا).
إنّ الله سبحانه قد منح الإنسان قدرة التشخيص والعقل ، والضمير اليقظ بحيث يستطيع أن يميّز بين الفجور والتقوى عن طريق العقل والفطرة.
نعم ، حين اكتملت خلقة الإنسان وتحقق وجوده ، علّمه الله سبحانه الواجبات والمحظورات. وبذلك أصبح كائناً مزيجاً في خلقته من الحمأ المسنون ونفخة من روح الله ، ومزيجاً في تعليمه من الفجور والتقوى. أصبح بالتالي كائناً يستطيع أن يتسلق سلّم الكمال الإنساني ليفوق الملائكة ، ومن الممكن أن ينحط لينحدر عن مستوى الأنعام ويبلغ مرحلة (بَلْ هُمْ أَضَلُّ). وهذا يرتبط بالمسير الذي يختاره الإنسان عن إرادة.
«ألهمها : من الإلهام ، وهو في الأصل بمعنى البلع والشرب ، ثم استعمل في إلقاء الشيء في روع الإنسان من قِبل الله تعالى.
«الفجور : من مادة فجر وتعني الشق الواسع ؛ ولمّا كانت الذنوب تهتك ستار الدين فإنّها سمّيت بالفجور.
المقصود بالفجور في الآية طبعاً الأسباب والعوامل والطرق المؤدية إلى الذنوب.
والتقوى : من الوقاية وهي الحفظ ، وتعني أن يصون الإنسان نفسه من القبائح والآثام والسيئات والذنوب.
بعد هذه الأقسام المهمّة المتتالية يخلص السياق القرآني إلى النتيجة فيقول : (قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكهَا).
والتزكية : تعني النمو ، والزكاة في الأصل بمعنى النمو والبركة ؛ ثم استعملت الكلمة بمعنى التطهير ، وقد يعود ذلك إلى أنّ التطهير من الآثام يؤدّي إلى النمو والبركة ، والآية الكريمة تحتمل المعنيين.