وقد جاءت هذه الآية جواباً لقولهم : وما الرحمن في قوله : (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ). [الفرقان] قالوا وما الرحمن؟ وقد روي أنّه لما نزل قوله (قُلْ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ) قالوا : ما نعرف الرحمن إلّاصاحب اليمامة. فقيل لهم (الرَّحْمنُ * عَلَّمَ الْقُرْءَانُ) أي : علم محمّداً صلىاللهعليهوآله القرآن ، وعلّمه محمّد صلىاللهعليهوآله امته (١).
وعلى كل حال فإنّ لإسم الرحمن أوسع المفاهيم بين أسماء الباريء عزوجل بعد إسم الجلالة (الله) لأنّنا نعلم أنّ لله رحمتين : (الرحمة العامة) و (الرحمة الخاصة) واسم الرحمن يشير إلى رحمة الله العامة التي تشمل الجميع ، كما أنّ اسم الرحيم يشير إلى الرحمة الخاصة بأهل الإيمان والطاعة ، ولعله لهذا السبب لا يطلق اسم الرحمن على غير الله سبحانه (إلّا إذا كانت كلمة عبد قبله) ، أمّا وصف الرحيم فيقال لغير الله أيضاً ، وذلك لأنّه لا أحد لديه الرحمة العامة سوى الله تعالى ، أمّا الرحمة الخاصة فإنّها موجودة في المخلوقات وإن كانت بصورة محدودة.
وهنا يطرح التساؤل التالي : من الذي علّمه الله سبحانه القرآن الكريم.
إنّ هذه السورة تبيّن الرحمة الإلهية للإنس والجن ولذا أكّد سبحانه إقرارهم بنعمه إحدى وثلاثين مرّة ، وذلك بقوله : (فَبِأَىّءَالَاءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ). والأنسب هو أنّ الله علّم القرآن للإنس والجن بواسطة نبيّه الكريم محمّد صلىاللهعليهوآله.
وبعد ذكره سبحانه لنعمة القرآن التي لا مثيل لها ينتقل إلى أهمّ نعمة في الترتيب المذكور ويقول : (خَلَقَ الْإِنسنَ).
من الطبيعي أنّ المقصود هنا هو نوع الإنسان وليس آدم عليهالسلام فقط.
وإطلاق كلمة (البيان) التي تأتي بعد خلق الإنسان دليل على عمومية كلمة الإنسان.
إنّ ذكر إسم الإنسان بعد القرآن هو الآخر يستوجب التأمل ، ذلك لأنّ القرآن الكريم يمثّل مجموعة أسرار الكون بصورة مدوّنة الكتاب التدويني ، والإنسان هو خلاصة هذه الأسرار بصورة تكوينية الكتاب التكويني ، كما أنّ كل واحدة منها هو صورة من هذا العالم الكبير.
وتشير الآية اللاحقة إلى أهمّ النعم بعد نعمة خلق الإنسان حيث يقول الباريء عزوجل : (عَلَّمَهُ الْبَيَانَ).
__________________
(١) تفسير مجمع البيان ٩ / ٣٢٩.