ومن بين التفاسير الأربعة ، يبدو أنّ التفسير الأوّل أوضح ، وإن كان الجمع بين التفاسير الأربعة ممكن أيضاً.
وللتأكيد ، تقول الآية مرّة اخرى : (اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ).
وهذه الآية جواب على قول الرسول صلىاللهعليهوآله لجبرائيل : ما أنا بقاريء ، وهذه الآية تقول : إنّك قادر على القراءة بكرم الربّ وفضله ومنّه.
ثم تصف الآيتان التاليتان الربّ الأكرم :
(الَّذِى عَلَّمَ بِالْقَلَمِ).
عَلَّمَ الْإِنسنَ مَا لَمْ يَعْلَمْ).
وهاتان الآيتان أيضاً تتجهان إلى الجواب على قول رسول الله صلىاللهعليهوآله : ما أنا بقاريء ، أي إنّ الله الذي علم البشر بالقلم وكشف لهم المجاهيل ، قادر على أن يعلم عبده الأمين القراءة والتلاوة.
جملة (الَّذِى عَلَّمَ بِالْقَلَمِ) تحتمل معنيين.
الأوّل : أنّ الله علم الإنسان الكتابة ، وأعطاه هذه القدرة العظيمة التي هي منبثق تاريخ البشر ، ومنطلق جميع العلوم والفنون والحضارات.
والثاني : المقصود أنّ الله علم الإنسان جميع العلوم عن طريق القلم وبوسيلة الكتابة.
وهو تعبير عميق المعنى في تلك اللحظات الحساسة من بداية نزول الوحي
إنّ أساس الإسلام أقيم منذ البداية على أساس العلم والقلم ... ولذلك استطاع قوم متخلفون أن يتقدموا في العلم والمعرفة حتى تأهّلوا ـ باعتراف الأعداء والأصدقاء ـ لتصدير علومهم إلى العالم! إنّ علم المسلمين ومعارفهم هو الذي مزّق ظلام القرون الوسطى في أوروبا وأدخلها عصر الحضارة. وهذا ما يعترف به علماء أوروبا أنفسهم فيما كتبوه في حقل تاريخ الحضارة الإسلامية وفي تراث الإسلام.
وما أبشع وأفظع أن تكون أخلاق امّة كتلك تمتلك بين ظهرانيها ديناً كهذا متخلفة في ميادين العلم والمعرفة ومحتاجة إلى الآخرين بل وتابعة لهم.
(كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (٦) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (٧) إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى (٨) أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (٩) عَبْداً إِذَا صَلَّى (١٠) أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى (١١) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى (١٢) أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (١٣) أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ يَرَى) (١٤)