استتباعاً للآيات السابقة التي تحدثت عن النِعم المادية والمعنوية الإلهية على الإنسان ... والنِعم التي تستلزم شكر الإنسان وتسليمه أمام الله ، هذه الآيات تبدأ بالقول : ليست نِعَم الله تحيي روح الشكر في الإنسان دائماً ، بل إنّه يطغى :
(كَلَّا إِنَّ الْإِنسنَ لَيَطْغَى). ومتى يكون ذلك؟ فيما لو رأى نفسه مستغنياً وغير محتاج.
(أَن رَّءَاهُ اسْتَغْنَى). هذه طبيعة أغلب أفراد البشر ... الأفراد الذين لم يتربوا في مدرسة العقل والوحي ، حين يرون أنفسهم مستغنين غير محتاجين يعمدون إلى الطغيان ، وينسلخون من عبودية الله ، ويرفضون الإعتراف بأحكامه ، ويصمّون أذانهم عن ندائه ، ولا يراعون حقّاً ولا عدلاً.
إنّ الهدف من الآية الفات نظر الرسول صلىاللهعليهوآله بمنعطفات الطبيعة البشرية كي لا يتوقع قولاً سريعاً من الناس لدعوته ، وليعدّ نفسه لإنكار المنكرين ومعارضة الطغاة المستكبرين ، وليعلم أنّ الطريق أمامه وعر مليء بالمصاعب.
ثم يأتي التهديد لهؤلاء الطغاة المستكبرين وتقول الآية التالية : (إِنَّ إِلَى رَبّكَ الرُّجْعَى). وهو الذي يعاقب الطغاة على ما اقترفوه ، وكما أنّ رجوع كل شيء إليه ، وميراث السماوات والأرض له سبحانه : (وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّموَاتِ وَالْأَرْضِ) (١). فكلّ شيء في البداية منه ، ولا مبرّر للإنسان أن يشعر بالإستغناء ويطغى.
ثم تتحدث الآيات التالية عن بعض أعمال الطغاة المغرورين ، مثل صدّهم عباد الله عن السير في طريق الحق.
(أَرَءَيْتَ الَّذِى يَنْهَى).
(عَبْدًا إِذَا صَلَّى).
وفي تفسير مجمع البيان : فقد جاء في الحديث أنّ أبا جهل قال : هل يعفّر محمّد وجهه بين أظهركم قالوا : نعم. قال : فبالذي يحلف به لئن رأيته يفعل ذلك لأطأنّ على رقبته. فقيل له : ها هو ذاك يصلّي ، فانطلق ليطأ على رقبته ، فما فاجأهم إلّاوهو ينكص على عقبيه ، ويتقي بيديه. فقالوا : ما لك يا أبا الحكم؟ قال : إنّ بيني وبينه خندقاً من نار ، وهولاً ، وأجنحة. وقال نبي الله : والذي نفسي بيده لو دنا منّي لاختطفته الملائكة عضواً عضواً. فأنزل الله سبحانه : (أَرَءَيْتَ الَّذِى يَنْهَى) إلى آخر السورة.
__________________
(١) سورة آل عمران / ١٨٠.