في بداية هذه السورة نواجه قَسماً قرآنيا جديداً. يقول سبحانه : (وَالْعَصْرِ).
«العصر : في الأصل الضغط ، وإنّما اطلق على وقت معين من النهار لأنّ الأعمال فيه مضغوطة. ثم اطلقت الكلمة على مطلق الزمان ومراحل تاريخ البشرية ، أو مقطع زماني معين ، كأن نقول عصر صدر الإسلام.
قيل : إنّه كل الزمان وتاريخ البشرية المملوء بدروس العبرة ، والأحداث الجسيمة. وهو لذلك عظيم يستحق القسم الإلهي.
بعضهم قال : إنّه مقطع خاص من الزمان مثل عصر البعثة النبوية المباركة ، أو عصر قيام المهدي المنتظر عليهالسلام ، وهي مقاطع زمنية ذات خصائص متميزة وعظمة فائقة في تاريخ البشر. والقسم في الآية إنّما هو بتلك الأزمنة الخاصة.
ولكن الأنسب فيها هو القسم بالزمان وتاريخ البشرية ، لأنّ القسم القرآني ـ كما ذكرنا مراراً ـ يتناسب مع الموضوع الذي أقسم الله من أجله ومن المؤكّد أنّ خسران الإنسان في الحياة ناتج عن تصرّم عمره ، أو أنّه عصر بعثة الرسول صلىاللهعليهوآله ، لأنّ المنهج ذا المواد الأربع في ذيل هذه السورة نزل في هذا العصر.
الآية التالية تحمل الموضوع الذي جاء القَسم من أجله. يقول سبحانه : (إِنَّ الْإِنسنَ لَفِى خُسْرٍ).
الإنسان يخسر ثروته الوجودية شاء أم أبى. تمرّ الساعات والأيّام والأشهر والأعوام من عمر الإنسان بسرعة ، تضعف قواه المادية والمعنوية ، تتناقص قدرته باستمرار.
القلب له قدرة معينة على الضربان ، وحين تنفد هذه القدرة يتوقف القلب تلقائياً دون علّة من عيب أو مرض ، هذا إذا لم يكن توقف الضربان نتيجة مرض ، وهكذا سائر الأجهزة الوجودية للإنسان ، وثروات قدراته المختلفة.
إنّ الدنيا في المنظور الإسلامي سوق تجارة ، كما يقول الإمام علي بن محمّد الهادي عليهالسلام : «الدنيا سوق ، ربح فيها قوم وخسر آخرون (١).
الآية الكريمة التي نحن بصددها تقول : كل الناس في هذه السوق الكبرى خاسرون إلّا مجموعة تسير على المنهج الذي تبيّنه الآية التالية.
__________________
(١) تحف العقول / ٤٨٣.