في سورة الفيل جاء ذكر إبادة أصحاب الفيل الذين جاؤوا لهدم الكعبة وهذه السورة التي تعتبر امتداداً للسورة السابقة تقول : نحن جعلنا أصحاب الفيل كعصف مأكول : (لِإِيلفِ قُرَيْشٍ). أي لكي تأتلف قريش في هذه الأرض المقدسة وتتهيأ بذلك مقدمات ظهور نبي الأكرم صلىاللهعليهوآله.
«إيلاف : مصدر آلف ، وآلفه أي جعله يألف ، أي جعله يجتمع اجتماعاً مقروناً بالانسجام والانس والإلتيام.
والمقصود إيجاد الالفة بين قريش وهذه الأرض المقدسة وهي مكة والبيت العتيق ، لأنّهم وكل أهل مكة إختاروا السكن في هذه الأرض لمكانتها وأمنها. كثير من أهل الحجاز كانوا يحجّون البيت كل سنة ، ويقترن حجّهم بنشاط أدبي واقتصادي في هذا البلد الأمين.
كل ذلك كان يحدث في ظل الجو الآمن ، ولو أنّ هذا الأمن قد انعدم أو أنّ الكعبة قد انهدمت بفعل هجوم أبرهة وأمثاله لما كان لأحد الفة بهذه الأرض.
(إِيلفِهِمْ رِحْلَةَ الشّتَاءِ وَالصَّيْفِ).
مكة تقع في وادٍ غير ذي زرع ، والرعي فيها قليل ، لذلك كانت عائدات أهل مكة غالباً من قوافل التجارة ، في فصل الشتاء يتجهون إلى أرض اليمن في الجنوب حيث الهواء معتدل ، وفي فصل الصيف إلى أرض الشام في الشمال حيث الجوّ لطيف. والشام واليمن كانا من مراكز التجارة آنئذ ، ومكة والمدينة حلقتا اتصال بينهما.
هذه هي رحلة الشتاء ... ورحلة الصيف.
والمقصود ب إيلافهم في الآية أعلاه قد يكون جعلهم يألفون الأرض المقدسة خلال رحلاتهم وينشدّون إليها لما فيها من أمن ، كي لا تغريهم أرض اليمن والشام ، فيسكنون فيها ويهجرون مكة.
وقد يكون المقصود إيجاد الالفة بينهم وبين سائر القبائل طوال مدّة الرحلتين ، لأنّ الناس بدأوا ينظرون إلى قوافل قريش باحترام ويعيرونها أهمية خاصة بعد قصة اندحار جيش أبرهة.
قريش لم تكن طبعاً مستحقة لكل هذا اللطف الإلهي لما كانت تقترفه من آثام ، لكن الله لطف بهم لما كان مقدّراً للإسلام والنبي الأكرم صلىاللهعليهوآله أن يظهرا من هذه القبيلة وتلك الأرض المقدسة.