سبب النّزول
في المجمع : نزلت السورة في نفر من قريش منهم الحارث بن قيس السهمي ، والعاص بن أبي وائل ، والوليد بن المغيرة ، والأسود بن عبد يغوث الزهري ، والأسود بن المطلب بن الأسد ، وأمية بن خلف قالوا : هلم يا محمّد فاتبع ديننا نتبع دينك ، ونشركك في أمرنا كلّه ، تعبد آلهتنا سنة ، ونعبد آلهتك سنة ، فإن كان الذي جئت به خيراً مما بأيدينا ، كنّا قد شركناك فيه ، وأخذنا بحظنا منه ، وإن كان الذي بأيدينا خيراً مما في يديك كنت قد شركتنا في أمرنا ، وأخذت بحظك منه.
فقال صلىاللهعليهوآله : معاذ الله أن أشرك به غيره.
قالوا : فاستلم بعض آلهتنا نصدقك ونعبد إلهك.
فقال : حتى انظر ما يأتي من عند ربّي.
فنزل (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) ـ السورة. فعدل رسول الله صلىاللهعليهوآله إلى المسجد الحرام ، وفيه الملأ من قريش ، فقام على رؤوسهم ، ثم قرأ عليهم حتى فرغ من السورة. فأيسوا عند ذلك ، فآذوه وآذوا أصحابه.
التّفسير
لا أهادن الكافرين : (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ). والخطاب إلى قوم مخصوصين من الكافرين كما ذكر كثير من المفسرين ، والألف واللام للعهد ، وإنّما ذهب المفسرون إلى ذلك لأنّ الآيات التالية تنفي أن يعبد الكافرون ما يعبده المسلمون وهو الله سبحانه في الماضي والحال والمستقبل ، والمجموعة المخاطبة بهذه الآيات بقيت بالفعل على كفرها وشركها حتى آخر عمرها ، بينما دخل كثير من المشركين بعد فتح مكة في دين الله أفواجاً.
(لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ). فهذه مسألة مبدئية لا تقبل المساومة والمهادنة والمداهنة.
(وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ). لما تأصّل فيكم من لجاج وعناد وتقليد أعمى لآبائكم ، ولما تجدونه في الدعوة من تهديد لمصالحكم وللأموال التي تدر عليكم من عبدة الأصنام.
ولمزيد من التأكيد وبث اليأس في قلوب الكافرين ، ولبيان حقيقة الفصل الحاسم بين منهج الإسلام ومنهج الشرك قال سبحانه : (وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدتُّمْ * وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ). فعلى هذا لا معنى لإصراركم على المصالحة والمهادنة معي حول مسألة عبادة الأوثان فإنّه أمر محال (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِىَ دِينِ).