وللجواب على هذا السؤال نذكر ما يلي : يمكن ألّا يكون المقصود بالفناء هنا هو الفناء المطلق ، وإنّما هو الباب الذي يطلّ منه على عالم الآخرة ، والجسر الذي لابدّ منه للوصول إلى دار الخلد ؛ أو أنّ النعم الإلهية الكثيرة ـ المذكور سابقاً ـ يمكن أن تكون سبباً لغفلة البعض وإسرافهم فيها بأنواع الطعام والشراب والزينة والملابس والمراكب وغير ذلك ، مما يستلزم تحذيراً إلهياً للإنسان ، بأنّ هذه الدنيا ليست المستقر ، فالحذر من التعلق بها ، ولابد من الاستفادة من هذه النعم في طاعة الله ... إنّ هذا التنبيه والتذكير بالرحيل عن هذه الدنيا هو نعمة عظيمة.
ويضيف في الآية اللاحقة قوله سبحانه : (وَيَبْقَى وَجْهُ رَبّكَ ذُو الْجَللِ وَالْإِكْرَامِ).
«وجه معناه اللغوي معروف وهو القسم الأمامي للشيء بحيث يواجهه الإنسان في الطرف المقابل ، وإستعمالها بخصوص لفظ الجلالة يقصد به (الذات المقدسة).
أمّا (ذُو الْجَللِ وَالْإِكْرَامِ) والذي هو وصف ل (الوجه) فإنّه يشير إلى صفات الجمال والجلال لله سبحانه ، لأنّ (ذُو الْجَللِ) تنبّئنا عن الصفات التي يكون الله أسمى وأجلّ منها (الصفات السلبية). وكلمة الإكرام تشير إلى الصفات التي تظهر حسن وقيمة الشيء ، وهي الصفات الثبوتية لله سبحانه كعلمه وقدرته.
وبناءً على هذا فإنّ معنى الآية بصورة عامّة يصبح كالآتي : إنّ الباقي في هذا العالم هو الذات المقدسة لله سبحانه ، والتي تتّصف بالصفات الثبوتية والمنزهة عن الصفات السلبية.
ثم يخاطب الخلائق مرّة اخرى : (فَبِأَىّءَالَاءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ).
ومضمون الآية اللاحقة هي نتيجة للآيات السابقة ، حيث يقول سبحانه : (يَسْئَلُهُ مَن فِى السَّموَاتِ وَالْأَرْضِ).
ولماذا لا يكون كذلك في الوقت الذي يفنى الجميع ويبقى وحده سبحانه.
التعبير ب (يسأله) جاء بصيغة المضارع ، وهو دليل على أنّ السؤال والطلب في الكائنات مستمر من الذات الإلهية المقدسة ، وهذا شأن الموجود الممكن الذي هو مرتبط بواجب الوجود ليس في الحدوث فقط ، وإنّما في البقاء أيضاً.
ثم يضيف سبحانه : (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِى شَأْنٍ).
إنّ خلقه مستمر ، وإجاباته لحاجات السائلين والمحتاجين لا تنقطع ، كما أنّ ابداعاته مستمرّة فيجعل الأقوام يوماً في قوّة وقدرة ، وفي يوم آخر يهلكهم ، ويوماً يعطي السلامة