والشباب ، وفي يوم آخر الضعف والوهن ، ويوماً يذهب الحزن والهمّ من القلوب وآخر يكون باعثاً له ، وخلاصة الأمر أنّه في كل يوم ـ وطبقاً لحكمته ونظامه الأكمل ـ يخلق ظاهرة جديدة وخلقاً وأحداثاً جديدة.
ومرّة اخرى ـ بعد هذه النعم المستمرة والإجابة لاحتياجات جميع خلقه من أهل السماوات والأرض يكرّر قوله سبحانه : (فَبِأَىّءَالَاءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ).
(سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ (٣١) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٣٢) يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ (٣٣) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٣٤) يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ (٣٥) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) (٣٦)
النعم الإلهية التي إستعرضتها الآيات السابقة كانت مرتبطة بهذا العالم ، إلّاأنّ الآيات مورد البحث تتحدث عن أوضاع يوم القيامة ، وخصوصيات المعاد ، وفي الوقت الذي تحمل تهديداً للمجرمين ، فإنّها وسيلة لتربية وتوعية وإيقاظ المؤمنين ، بالإضافة إلى أنّها مشجّعة لهم للسير في طريق مرضاته سبحانه ، ومن هنا فإنّنا نعتبرها نعمة ، لذلك بعد ذكر كل واحدة من هذه النعم يتكرّر نفس السؤال الذي كان يعقّب ذكر كل نعمة من النعم السابقة.
يقول سبحانه في البداية : (سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ).
«الثقلان : من مادة ثقل على وزن (كبر) بمعنى الحمل الثقيل وجاءت بمعنى الوزن أيضاً ، إلّاأنّ ثقل على وزن (خبر) تقال عادةً لمتاع وحمل المسافرين ، وتطلق على جماعة الإنس والجن وذلك لثقلهم المعنوي ، لأنّ الله تبارك وتعالى قد أعطاهم عقلاً وشعوراً وعلماً ووعياً له وزن وقيمة بالرغم من أنّ الثقل الجسدي لهم ملحوظ أيضاً.
وبعد هذا يكرّر الله سبحانه سؤاله مرّة اخرى : (فَبِأَىّءَالَاءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ).
وتعقيباً على الآية السابقة التي كانت تستعرض الحساب الإلهي الدقيق ، يخاطب الجن والإنس مرّة اخرى بقوله : (يَا مَعْشَرَ الْجِنّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّموَاتِ وَالْأَرْضِ) للفرار من العقاب الإلهي ؛ (فَانفُذُوا لَاتَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ). أي بقوّة إلهيّة ، في حين أنّكم فاقدون لمثل هذه القوّة والقدرة.