ومرّة اخرى بعد هذا التنبيه والتحذير الشديد الموقظ ، الذي هو لطف من الله يقول الباريء عزوجل : (فَبِأَىّءَالَاءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ).
(وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (٤٦) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٤٧) ذَوَاتَا أَفْنَانٍ (٤٨) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٤٩) فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ (٥٠) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٥١) فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ (٥٢) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٥٣) مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ (٥٤) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) (٥٥)
الجنّتان اللتان اعدّتا للخائفين : يترك القرآن الكريم وصفه لأهل النار وحالاتهم البائسة لينقلنا إلى صفحة جديدة من صفحات يوم القيامة ، ويحدثنا فيها عن الجنة وأهلها ، وما أعدّ لهم من النعم فيها ، والتي يصوّرها سبحانه بشكل مشوّق ومثير ينفذ إلى أعماق القلوب في عملية مقارنة لما عليه العاصون من عذاب شديد يحيط بهم والتي تحدثت عنها الآيات السابقة ، وما ينتظر المؤمنين من جنّات وعيون وقصور وحور في الآيات أعلاه ، يقول سبحانه : (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ جَنَّتَانِ).
وللخوف من الله أسباب مختلفة ، فأحياناً يكون بسبب قبح الأعمال وانحراف الأفكار ، واخرى بسبب القرب من الذات الإلهية حيث الشعور بالخوف والقلق من الغفلة والتقصير في مجال طاعة الله ، وأحياناً اخرى لمجرد تصورهم لعظمة الله اللامتناهية وذاته اللامحدودة فينتابهم الشعور بالخوف والضعة أمام قدسيته العظيمة ... وهذا النوع من الخوف يحصل من غاية المعرفة لله سبحانه ، ويكون خاصاً بالعارفين والمخلصين لحضرته.
ومرّة اخرى ، وبعد ذكر هذه النعم العظيمة يخاطب الجميع بقوله : (فَبِأَىّءَالَاءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ).
ثم يضيف سبحانه في وصفه لهاتين الجنتين بقوله : (ذَوَاتَا أَفْنَانٍ).
وبعد ذكر هذه النعم يكرّر سبحانه السؤال مرّة اخرى فيقول : (فَبِأَىّءَالَاءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ).
ولأنّ البساتين النضرة والأشجار الزاهية ينبغي أن تكون لها عيون ، أضاف سبحانه في وصفه لهذه الجنة بقوله : (فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ).
ثم يطرح مقابل هذه النعمة الإضافية قوله : (فَبِأَىّءَالَاءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ).
__________________
(١) سورة غافر / ٧١ و ٧٢.