والتعبير ب الصاحب أي الصديق أو المحبّ لعلّه إشارة إلى أنّ ما يقوله نابع من الحبّ والشفقة.
ومن أجل التأكيد على هذا الموضوع وإثبات أنّ ما يقوله هو من الله فإنّ القرآن يضيف قائلاً : (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى).
وهذا التعبير مشابه التعبير الاستدلالي الوارد في الآية آنفة الذكر في صدد نفي الضلالة والغواية عن النبي صلىاللهعليهوآله لأنّ أساس الضلال غالباً ما يكون من اتّباع الهوى.
ثم تأتي الآية التالية لتصرّح : (إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْىٌ يُوحَى).
فهو لا يقول شيئاً من نفسه ، وليس القرآن من نسج فكره! بل كل ما يقوله فمن الله ، والدليل على هذا الإدعاء كامن في نفسه ، فالتحقيق في آيات القرآن يكشف بجلاء أنّه لن يستطيع إنسان مهما كان عالماً ومفكّراً ـ فكيف بالامّي الذي لم يقرأ ولم يكتب في محيط مملوء بالخرافات ـ أن يأتي بكلام غزير المحتوى كالقرآن ، إذ ما يزال بعد مضي القرون والعهود ملهماً للأفكار ، ويمكنه أن يكون أساساً لبناء مجتمع صالح مؤمن سالم.
وينبغي الإلتفات ـ ضمناً ـ إلى أنّ هذا القول ليس خاصّاً بآيات القرآن ، بل بقرينة الآيات السابقة يشمل سنّة الرسول صلىاللهعليهوآله أيضاً وأنّها وفق الوحي ، لأنّ هذه الآية تقول بصراحة : وما ينطق عن الهوى.
والحديث الطريف التالي شاهد آخر على هذا المدعى.
في الدرّ المنثور : أمر رسول الله صلىاللهعليهوآله أن تسد الأبواب التي في المسجد فشق عليهم قال : حبة أنّي لأنظر إلى حمزة بن عبد المطلب وهو تحت قطيفة حمراء وعيناه تذرفان وهو يقول : أخرجت عمك وأبابكر وعمر والعباس ، وأسكنت ابن عمك فقال رجل يومئذ ما يالوا برفع ابن عمه قال فعلم رسول الله صلىاللهعليهوآله أنّه قد شق عليهم فدعا الصلاة جامعة فلما اجتمعوا صعد المنبر فلم يسمع لرسول الله صلىاللهعليهوآله خطبة قط كان أبلغ منها تمجيداً وتوحيداً فلما فرغ قال : يا أيّها الناس ما أنا سددتها ولا أنا فتحتها ولا أنا أخرجتكم وأسكنته. ثم قرأ : (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْىٌ يُوحَى).
وهذا الحديث الذي يكشف عن علوّ مقام أمير المؤمنين علي عليهالسلام بين جميع الامة الإسلامية بعد الرسول يدل على أنّه ليست أقوال النبي طبق الوحي فحسب بل حتى أعماله وأفعاله وتقريره وسيرته أيضاً.