سبحانه للقسم الثالث من عباده المقربين ، والتي كل واحدة منها أعظم من اختها وأكرم ..
وقد لخّصت هذه النعم بسبعة أقسام :
يقول تعالى في البداية : (عَلَى سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ * مُّتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ).
«سرر : جمع سرير من مادة (سرور) بمعنى التخت الذي يجلس عليه المنعّمين في مجالس الانس والسرور.
ونلاحظ استمرار الأوصاف الرائعة في القرآن الكريم لسرر الجنة ، ومجالس أهلها ، ومنتديات أحبّتها مما يدل على أنّ من أهم نعم وملذات هؤلاء هي جلسات الانس هذه ..
ثم يتحدث سبحانه عن نعمة اخرى لهم حيث يقول : (يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ).
التعبير ب يطوف من مادة (طواف) إشارة إلى استمرار خدمة هؤلاء (الطوافين) لضيوفهم.
والتعبير ب مخلّدون إشارة إلى خلود شبابهم ونشاطهم وجمالهم وطراوتهم ، والأصل أنّ جميع أهل الجنة مخلّدون وباقون.
ويضيف القرآن أنّ هؤلاء الولدان يقدّمون لأصحاب الجنة أقداح الخمر وكؤوس الشراب المأخوذ من أنهار الجنة : (بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقٍ وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ) (١).
وشرابهم هذا ليس من النوع الذي يأخذ لباب العقل والفكر ، حيث يقول تعالى : (لَّا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنزِفُونَ) (٢).
إنّ الحالة التي تنتابهم من النشوة الروحية حين تناولهم لهذا الشراب لا يمكن أن توصف ، إذ تغمر كل وجودهم بلذة ليس لها مثيل.
ثم يشير سبحانه إلى رابع وخامس قسم من النعم المادية التي وهبها الله للمقربين في الجنة ، حيث يقول سبحانه : (وَفَاكِهَةٍ مّمَّا يَتَخَيَّرُونَ). (وَلَحْمِ طَيْرٍ مّمَّا يَشْتَهُونَ).
__________________
(١) أكواب : جمع كوب بمعنى القدح أو الإناء الذي لا عروة له ؛ وأباريق : جمع إبريق وهي في الأصل اخذت من الفارسية (أبريز) بمعنى الأواني ذات اليد من جهة ، ومن الاخرى ذات أنبوب لصبّ السائل ؛ وكأس : تقال للإناء المملوء بالسائل لدرجة يفيض من جوانبه ؛ ومعين من مادة معن بمعنى الجاري.
(٢) يصدّعون : من مادة صداع على وزن (حباب) ، بمعنى وجع الرأس ، وهذا المصطلح في الأصل من (صدع) بمعنى (الإنفلاق) لأنّ الإنسان عندما يصاب بوجع رأس شديد فكأنّ رأسه يريد أن ينفلق من شدّة الألم ، لذا فإنّ هذه الكلمة قد استعملت في هذا المعنى ؛ وينزفون : من أصل نزف بمعنى سحب جميع مياه البئر بصورة تدريجيّة ، وتستعمل أيضاً حول (السُكْرُ) وفقدان العقل.