الآن إلى ذكر المجموعة الثالثة (أصحاب الشمال) والعذاب المؤلم والعاقبة السيئة التي حلّت بهم ، في عملية مقارنة لوضع المجموعات الثلاثة ، حيث يقول الباريء : (وَأَصْحَابُ الشّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشّمَالِ).
أصحاب الشمال هم الذين يستلمون صحائف أعمالهم بأيديهم اليسرى إشارة إلى سوء عاقبتهم ، وأنّهم من أهل المعاصي والذنوب.
ثم يشير سبحانه إلى ثلاثة أنواع من العقوبات التي يواجهونها ، الهواء الحارق القاتل من جهة : (فِى سَمُومٍ) ، والماء المغلي المهلك من جهة اخرى : (وَحَمِيمٍ) ، وظل الدخان الخانق الحارّ من جهة ثالثة : (وَظِلّ مّن يَحْمُومٍ).
هذه الألوان من العذاب تحاصرهم وتطوقهم وتسلب منهم الصبر والقدرة.
ثم يضيف الباريء مؤكّداً فيقول : (لَّابَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ).
المظلة عادةً تحمي الإنسان من الشمس والمطر والهواء ولها منافع اخرى ، والظل المشار إليه في الآية الكريمة ليس له من هذه الفوائد شيء يذكر.
ومن الطبيعي أنّ مظلّة من الدخان الأسود الخانق لا ينتظر منها إلّاالشر والضرر.
وبالرغم من أنّ جزاء أهل النار له أنواع مختلفة مرعبة من العذاب ، إلّاأنّ ذكر الأقسام الثلاثة يكفي لإعطاء فكرة عن بقية الأهوال.
وفي الآيات اللاحقة يذكر الأسباب التي أدّت بأصحاب الشمال إلى هذا المصير المخيف والمشؤوم ، وذلك بثلاث جمل : أ) يقول سبحانه وتعالى : (إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُتْرَفِينَ).
«مترف : من مادة ترف بمعنى التنعّم ، وتطلق على الشخص الذي ملكته الغفلة وجعلته مغروراً سكراناً ، وجرّته إلى الطغيان.
صحيح أنّ أصحاب الشمال ليسوا جميعاً من زمرة المترفين ، إلّاأنّ المقصودين في القرآن الكريم هم أربابهم وأكابرهم.
ب) ثم يشير سبحانه إلى العامل الذي كان مصدراً وسبباً لعذاب أصحاب الشمال ، فيقول سبحانه : (وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنثِ الْعَظِيمِ).
«الحنث : في الأصل يعني كل نوع من الذنوب. فإنّ خصوصية أصحاب الشمال ليس فقط في إرتكاب الذنوب ولكن في الإصرار عليها.
ج) وثالث عمل سبب لهم هذا الويل والعذاب ، هو أنّهم قالوا : (وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ).