(عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (٥) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (٦) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (٧) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (٨) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (٩) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (١٠) مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (١١) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (١٢))
تعقيباً على الآيات المتقدمة التي تحدثت عن نزول الوحي على الرسول صلىاللهعليهوآله يجري الكلام في هذه الآيات عن معلم الوحي. تقول الآية : إنّ من له تلك القدرة العظيمة هو الذي علّم النبي صلىاللهعليهوآله : (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى).
وللتأكيد أكثر تضيف الآية بعدها إنّه ذو قدرة خارقة ومتسلط على كل شيء : (ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى).
وقد علّمه هذا التعليم عندما كان بالافق الأعلى : (وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى).
ثم اقترب واقترب حتى كان بفاصلة قوسين من معلّمه أو أقل (ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى). ثم أنّ الله تعالى أنزل عليه الوحي (فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى).
«المِرّة : معناها الفَتل ، وبما أنّ الحبل كلّما فُتل أكثر كان أشدّ إحكاماً وقوة ... فإنّ هذه الكلمة استعملت في الامور المادية أو المعنوية المحكمة والقوية.
«تدلّى : فعل مأخوذ من التدلّي ومعناه ، كما يقول الراغب في مفرداته ، الإقتراب ، فبناءً على ذلك فهو تأكيد على جملة دنا الواردة قبله ، وكلا الفعلين بمعنى واحد تقريباً.
«قاب : بمعنى مقدار ؛ وقوس (معروف معناه) وهو ما يوضع في وترة السهم ليُرمى به فمعنى قاب قوسين ... قدر طول قوسين.
ورد في الروايات عن أهل البيت عليهمالسلام بأنّ المراد من هذه الآيات الرؤية الباطنية (القلبية) لذات الله المقدسة التي تجلّت للرسول وتكرّرت في المعراج واهتزّ لها النبي وهالته.
فعلى هذا التفسير يبيّن القرآن نزول الوحي على النبي صلىاللهعليهوآله بالصورة التالية :
إنّ الله الذي هو شديد القوى علّم النبي في وقت بلغ حدّ الكمال والإعتدال في الافق الأعلى. ثم قرب وصار أكثر إقتراباً حتى كان بينه وبين الله مقدار قاب قوسين أو أقل وهناك أوحى الله إليه ما أوحاه. وبما أنّ هذا اللقاء الباطني يصعب تصوّره لدى البعض ، فإنّه يؤكّد