يأكلون بنهم وشره من هذا الغذاء النتن وغير المستساغ جدّاً فيملؤون بطونهم.
وعند تناولهم لهذا الغذاء السيء يعطشون ولكن ما هو شرابهم! يتبيّن ذلك في قوله تعالى : (فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ * فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ).
إنّ البعير الذي يبتلى بداء العطش فإنّ شدة عطشه تجعله يشرب الماء باستمرار حتى يهلك ، وهذا هو نفس مصير (الضَّالُّونَ الْمُكَذّبُونَ) في يوم القيامة.
وفي آخر آية ـ مورد البحث ـ يشير سبحانه إلى طبيعة مأكلهم ومشربهم في ذلك اليوم حيث يقول : (هذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدّينِ).
ومن الطبيعي أنّ أهل النار ليسوا ضيوفاً ، وأنّ الزقّوم والحميم ليس وسيلة لضيافتهم بل هو نوع من الطعن فيهم ، وأنّه إذا كان كل هذا العذاب هو مجرد استقبال لهم ، فكيف بعد ذلك سيكون حالهم.
(نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْ لَا تُصَدِّقُونَ (٥٧) أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ (٥٨) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ (٥٩) نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (٦٠) عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ (٦١) وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْ لَا تَذَكَّرُونَ) (٦٢)
سبعة أدلة على المعاد : بما أنّ الآيات السابقة تحدثت عن تكذيب الضالين ليوم المعاد ، فإنّ الآيات اللاحقة استعرضت سبعة أدلة على هذه المسألة المهمة ، كي يتركّز الإيمان وتطمئن القلوب بالوعود الإلهية التي وردت في الآيات السابقة حول المقربين وأصحاب اليمين وأصحاب الشمال. يقول سبحانه في المرحلة الاولى : (نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلَا تُصَدّقُونَ). أي لِمَ لا تصدّقون بالمعاد؟! لماذا تتعجبون من الحشر والمعاد الجسمي بعد أن تصبح أجسامكم تراباً؟ ألم نخلقكم من التراب أوّل مرّة؟ أليس حكم الأمثال واحداً؟
وفي الآية اللاحقة يشير البارىء إلى دليل ثان حول هذه المسألة فيقول : (أَفَرَءَيْتُم مَّا تُمْنُونَ * ءَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ).
وهل أنّ القادر على الخلق المتكرر يعجز عن إحياء الموتى في يوم القيامة؟
ثم يستعرض ذكر الدليل الثالث حيث يقول سبحانه : (نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ).