إنّنا لن نغلب أبداً ، وإذا قدّرنا الموت فلا يعني ذلك أنّنا لا نستطيع أن نمنح العمر السرمدي ، بل إنّ الهدف هو أن نذهب بقسم من الناس ونأتي بآخرين محلّهم ، وأخيراً نعيدكم خلقاً جديداً في عالم لا تعلمون عنه شيئاً : (عَلَى أَن نُّبَدّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنشِئَكُمْ فِى مَا لَا تَعْلَمُونَ).
ويمكن توضيح الدليل بالصورة التالية : إنّ الله الحكيم الذي خلق الإنسان وقدّر له الموت فطائفة يموتون وآخرين يولدون باستمرار ، من البديهي أنّ له هدف.
فإذا كانت الحياة الدنيا هي الهدف فالمناسب أن يكون عمر الإنسان خالداً وليس بهذا المقدار القصير المقترن مع ألوان الآلام والمشاكل.
وسنّة الموت تشهد أنّ الدنيا معبراً وليست منزلاً وأنّها جسر وليست مقصداً ، لأنّها لو كانت مستقرّاً ومقصداً للزم أن تدوم الحياة فيها.
وفي آخر آية ـ مورد البحث ـ يتحدث سبحانه عن رابع دليل للمعاد حيث يقول : (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ).
هذا الدليل نستطيع بيانه بصورتين :
الاولى : إنّ خلق هذه الدنيا العظيمة وما فيها هل يمكن أن يكون لهدف صغير محدود ، كأن يعيش الإنسان فيها بضعة أيام؟ كلّا ليس كذلك ، وإلّا فإنّه يعني أنّ خلق العالم سيكون بدون هدف ، ولكن مما لا شك فيه أنّ هذه المخلوقات العظيمة قد خلقت لموجود شريف ـ مثل الإنسان ـ ليعرف الله سبحانه من خلالها ، معرفة تكون رأسماله الوحيد في الدار الآخرة ، فالهدف إذن هو الدار الآخرة ، وهذا دليل آخر على المعاد.
الثانية : هو أنّنا نلاحظ مشاهد المعاد في هذا العالم تتكرر أمامنا في كل سنة وفي كل زاوية وكل مكان ، حيث مشهد القيامة والحشر في عالم النبات ، فتحيى الأرض الميتة بهطول الأمطار الباعثة للحياة. قال تعالى : (إِنَّ الَّذِى أَحْيَاهَا لَمُحْىِ الْمَوْتَى) (١).
(أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (٦٣) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (٦٤) لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (٦٥) إِنَّا لَمُغْرَمُونَ (٦٦) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ) (٦٧)
هل أنتم الزارعون أم الله : استعرضنا لحدّ الآن أربعة أدلة من الأدلة السبعة التي جاء
__________________
(١) سورة فصّلت / ٣٩.