ذكرها في هذه السورة حول المعاد ، والآيات ـ مورد البحث واللاحقة لها ـ تستعرض الأدلة الاخرى المتبقّية والتي كل منها مصداق لقدرة الله اللا متناهية.
فالدليل الأوّل يرتبط بخلق الحبوب الغذائية ، والثاني يرتبط بخلق الماء ، والثالث يتعلق بالنار ، وهذه المحاور تشكّل الأركان الأساسية في الحياة الإنسانية.
يقول سبحانه في البداية : (أَفَرَءَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ * ءَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ).
والله سبحانه هو الذي يخلق في وسط هذه البذرة الحياة ، فعندما توضع البذرة في محيط مهيّأ من حيث التربة والضوء والماء ، فإنّها تستفيد ابتداءاً من المواد الغذائية المخزونة فيها إلى أن تصبح برعماً وتولّد جذراً ، ثم تنمو بسرعة عجيبة مستفيدة من المواد الغذائية الموجودة في الأرض.
وفي الآية اللاحقة يؤكّد الدور الهامشي للإنسان في نمو ورشد النباتات فيقول : (لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ).
«حطام : من مادة حطم تعني في الأصل كسر الشيء ، وغالباً ما تطلق على كسر الأشياء اليابسة كالعظام النخرة وسيقان النباتات الجافّة ، والمقصود هنا هو التبن.
ويحتمل أيضاً أنّ المقصود بالحطام هنا هو فساد البذور في التربة وعدم نموّها.
نعم ، تتعجبون وتغمركم الحيرة وتقولون : (إِنَّا لَمُغْرَمُونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ) (١).
وإذا كنتم أنتم الزارعين الحقيقيين ، فهل بإمكانكم أن تمنعوا وتدفعوا عن زرعكم الأضرار والمصير المدمّر والنتيجة البائسة؟ وهذا التحدي يؤكّد لنا أنّ جميع امور الخلق من الله سبحانه.
(أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (٦٨) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (٦٩) لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْ لَا تَشْكُرُونَ (٧٠) أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (٧١) أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ (٧٢) نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعاً لِلْمُقْوِينَ (٧٣) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) (٧٤)
من الذي خلق الماء والنار : يشير سبحانه في هذه الآيات إلى سادس وسابع دليل للمعاد في هذا القسم من آيات سورة الواقعة ، التي تبيّن قدرة الله تعالى على إحياء الموتى ، بل
__________________
(١) مغرمون : من مادة غرامة بمعنى الضرر وفقدان الوقت والمال.