في كل شيء : (أَفَرَءَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِى تَشْرَبُونَ). (ءَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ).
«مزن : يعني (الغيوم البيضاء) وفسّرها البعض بأنّها (الغيوم الممطرة).
إنّ هذه الآيات تجعل الوجدان الإنساني أمام استفسارات عدّة كي تأخذ إقراراً منه ، حيث يسأل الله سبحانه : هل فكّرتم بالماء الذي تشربونه باستمرار والذي هو سرّ حياتكم؟
وإذا لاحظنا في الآيات أعلاه عملية استعراض لماء الشرب ـ فقط ـ وعدم التحدث عن تأثيره في حياة الحيوانات أو النباتات فإنّ السبب هو الأهمية البالغة للماء في حياة الإنسان نفسه ، بالإضافة إلى أنّه قد اشير له في الآيات السابقة في حديث الزرع ، لذا لا حاجة لتكرار ذلك.
وأخيراً ـ ولإكمال البحث في الآية اللاحقة ـ يقول سبحانه : (لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ). اجاج : من مادة أجّ وقد أخذت في الأصل من أجيج النار يعني إشتعالها وإحتراقها ، ويقال اجاج للمياه التي تحرق الفمّ عند شربها لشدّة ملوحتها ومرارتها وحرارتها.
وأخيراً نصل إلى سابع ـ وآخر ـ دليل للمعاد في هذه السلسلة من الآيات الكريمة ، وهو خلق النار التي هي أهمّ وسيلة لحياة الإنسان وأكثرها أهمية له في المجالات الصناعية المختلفة ، حيث يقول سبحانه : (أَفَرَءَيْتُمُ النَّارَ الَّتِى تُورُونَ * ءَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشُونَ). تورون : من مادة ورى بمعنى الستر ، ويقال للنار التي تكون مخفية في الوسائل التي لها القابلية على الإشتعال والتي تظهر بشرارة ، ويقال ورى وايراء.
جملة (تورون) ـ بمعنى إشعال النار ـ بالرغم من أنّها فسّرت هنا بما يستفاد منه توليد النار ، إلّاأنّه لا مانع من أن تشمل الأشياء المشتعلة أيضاً كالحطب باعتباره ناراً خفيّة تظهر وقت توفّر الشروط المناسبة لها.
وفي الآية اللاحقة يضيف مؤكّداً الأبحاث أعلاه بقوله سبحانه : (نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لّلْمُقْوِينَ).
إنّ عودة النار من داخل الأشجار الخضراء تذكّرنا برجوع الأرواح إلى الأبدان في الحشر من جهة ، ومن جهة اخرى تذكّرنا هذه النار بنار جهنم.