يقول الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآله : ناركم هذه التي توقدون جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم (١). جملة (مَتَاعًا لّلْمُقْوِينَ) إشارة إلى الفوائد الدنيوية لهذه النار.
يستنتج سبحانه نتيجة مهمّة بعد ما ركّز على أهميّة هذه النعم للإنسان وذلك بتسبيحه والشكر له تعالى باعتباره المصدر الوحيد لهذه النعم ... فيقول سبحانه في آخر آية مورد البحث : (فَسَبّحْ بِاسْمِ رَبّكَ الْعَظِيمِ).
إنّ الله الذي خلق كل هذه النعم ، والتي كل منها تذكّرنا بقدرته وتوحيده وعظمته ومعاده ، لائق للتسبيح والتنزيه من كل عيب ونقص.
إنّه ربّ ، وكذلك فإنّه عظيم وقادر ومقتدر ، وبالرغم من أنّ المخاطب في هذه الآية هو الرسول الأعظم صلىاللهعليهوآله إلّاأنّ من الواضح أنّ جميع البشر هم المقصودون.
(فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (٧٥) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (٧٦) إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (٧٧) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (٧٨) لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (٧٩) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٨٠) أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ (٨١) وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) (٨٢)
المطهّرون ومعرفة أسرار القرآن : استمراراً للأبحاث التي جاءت في الآيات السابقة ، والتي تركّز الحديث فيها حول الأدلة السبعة الخاصة بالمعاد ، ينتقل الحديث الآن عن أهمية القرآن الكريم باعتباره يشكّل مع موضوع النبوة ركنين أساسيين بعد مسألة المبدأ والمعاد والتي بمجموعها تمثّل أهمّ الأركان العقائدية. يبدأ الحديث بقسم عظيم ، حيث يقول سبحانه : (فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ).
وعندما يلاحظ الإنسان ـ طبقاً لتصريحات العلماء ـ أنّ في (مجرّتنا) فقط ألف مليون نجمة ، وتوجد في الكون مجرّات كثيرة ، وكل واحدة منها لها مسار خاص ، عندئذ ستتوضّح لنا أهمية هذا القسم القرآني.
ولهذا السبب فإنّه تعالى يضيف في الآية اللاحقة : (وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ).
وهذه بحد ذاتها تعتبر إعجازاً علميّاً للقرآن الكريم ، حيث في الوقت الذي كانت تعتبر النجوم عبارة عن مسامير فضائية رصّعت السماء بها فإنّ مثل هذا البيان القرآني الرائع في
__________________
(١) جامع البيان ٢٧ / ٢٦٢ ؛ وروح المعاني ٢٧ / ١٥٠.