على عرش القدرة دائماً : تحدثت الآيات السابقة عن إحدى عشرة صفة للذات الإلهية المقدسة ، وتبيّن الآيات أعلاه أوصافاً اخرى حيث اشير في الآية الاولى مورد البحث إلى خمسة أوصاف اخرى من صفات جلاله وجماله. ويبدأ الحديث عن مسألة الخلقة حيث يقول سبحانه : (هُوَ الَّذِى خَلَقَ السَّموَاتِ وَالْأَرْضَ فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ).
لقد ذكرت مسألة الخلقة في (ستّة أيام) سبع مرّات في القرآن الكريم ، المرّة الاولى في الآية (٥٤) من سورة الأعراف ، والأخيرة هي هذه الآية مورد البحث (الحديد / ٤).
فإنّ المقصود من (اليوم) في هذه الآيات ليس المعنى المتعارف (لليوم) ، بل المقصود هو (الزمان) سواء كان هذا الزمان قصيراً أو طويلاً حتى لو بلغ ملايين السنين.
ثم تتطرق الآيات إلى مسألة الحكومة وتدبير العالم حيث يقول سبحانه : (ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ).
إنّ زمام حكومة وتدبير العالم كانت دائماً بيده ولا زالت ، وبدون شك فإنّ الله تعالى ليس جسماً ، ولذا فليس معنى العرش هنا هو عرش السلطة ، والتعبير كناية لطيفة عن الحاكمية المطلقة لله سبحانه ونفوذ تدبيره في عالم الوجود.
ثم يستعرض نوعاً آخر من علمه اللا متناهي بقوله تعالى : (يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِى الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا).
وفي رابع وخامس صفة له سبحانه يركّز حول نقطة مهمة حيث يقول : (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ).
وكيف لا يكون معنا في الوقت الذي نعتمد عليه ، ليس في إيجادنا فحسب ، بل في البقاء لحظة بلحظة ـ أيضاً ـ ونستمدّ منه العون ، إنّه روح عالم الوجود.
الحقيقة أنّ الاحساس بأنّ الله معنا في كل مكان يعطي للإنسان عظمة وجلالاً من جهة ، ومن جهة اخرى يخلق فيه إعتماداً على النفس وشجاعة وشهامة ، ومن جهة ثالثة فإنّه يثير إحساساً شديداً بالمسؤولية ، لأنّ الله حاضر معنا في كل مكان ، وناظر ومراقب لأعمالنا ، وهذا أكبر درس تربوي لنا. وهذا الاعتقاد يمثّل دافعاً جدّياً للتقوى والطهارة والعمل الصالح في الإنسان ، ويعتبر رمز عظمته وعزّته.
وبعد مسألة الحاكمية والتدبير يأتي الحديث عن مسألة مالكيته سبحانه في كل عالم الوجود ، حيث يقول : (لَّهُ مُلْكُ السَّموَاتِ وَالْأَرْضِ).