لقد بشّر الله المنفقين في آخر آية من الآيات السابقة بالأجر الكريم ، واستمراراً للبحث فالآيات أعلاه تتحدث عن هذا الأجر ، وتبيّن مدى قيمته وعظمته في اليوم الآخر. يقول سبحانه : (يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم).
والمقصود من النور ـ في الواقع ـ تجسيم نور الإيمان ، لأنّ في ذلك اليوم تتجسّد أعمال البشر ، فيتجسّد الإيمان الذي هو نور هدايتهم بصورة نور ظاهري ، ويتجسّد الكفر الذي هو الظلام المطلق بصورة ظلمة ظاهرية.
وهنا يصدر هذا النداء الملائكي بإحترام للمؤمنين : (بُشْرَيكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).
أمّا المنافقون الذين سلكوا طريق الظلام والكفر والذنوب والمعصية ، فإنّ صراخهم يعلو في مثل تلك الساعة ويلتمسون من المؤمنين شيئاً من النور ، لكنّهم يواجهون بالردّ والنفي ، كما في قوله تعالى : (يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَءامَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ).
ويأتي الجواب على طلبهم بقوله تعالى : (قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا).
كان من الممكن أن تحصلوا على النور من الدنيا التي تركتموها وراءكم ، وذلك بإيمانكم وأعمالكم الصالحة ، إلّاأنّ الوقت انتهى ، وفاتت الفرصة عليكم ولا أمل هنا في حصولكم على النور.
(فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ). وهذا الباب أو هذا الجدار من نوع خاص وأمره فريد ، حيث إنّ كلاً من طرفيه مختلف عن الآخر تماماً ، حيث : (بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ).
ويمكن أن يكون هذا الباب من أجل أن يرى المنافقون من خلاله نعم الجنة ويتحسّرون عليها ، أو أنّ من كان قليل التلوّث بالذنوب وقد نال جزاءه من العذاب بإمكانه أن يدخل منها ويكون مع المؤمنين في نعيمهم.
غير أنّ هذا الحائط ليس من النوع الذي يمنع عبور الصوت حيث يضيف سبحانه : أنّ المنافقين (يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ). لقد كنّا نعيش معكم في هذه الدنيا فما الذي حدث وإنفصلتم عنّا وذهبتم إلى الروح والرحمة الإلهية وتركتمونا في قبضة العذاب؟
(قَالُوا بَلَى). كنّا معكم في أماكن كثيرة في الأزقّة والأسواق ، في السفر والحضر ، وكنّا