ومن الواضح أنّ ذكر الله عزوجل إذا دخل أعماق روح الإنسان ، وسمع الآيات القرآنية بتدبّر فإنّها تكون سبباً للخشوع ، والقرآن الكريم هنا يلوم بشدة قسماً من المؤمنين لعدم خشوعهم أمام هذه الامور ، لأنّه قد إبتلي كثير من الامم السابقة بمثل هذا من الغفلة والجهل. وهذه الغفلة تؤدّي إلى قساوة القلب وبالتالي إلى الفسق والعصيان.
إنّ آية : (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَءَامَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ) ... من الآيات المثيرة في القرآن الكريم ، حيث تليّن القلب ، وترطّب الروح وتمزّق حجب الغفلة. لذلك نلاحظ بصورة مستمرة أنّ أفراداً مذنبين جدّاً قد هداهم الله إلى طاعته بعد سماعهم هذه الآية التي وقعت في نفوسهم كالصاعقة ، وأيقظتهم من سباتهم وغفلتهم التي كانوا فيها ، ولهذا شواهد عديدة حيث تنقل لنا كتب التاريخ العديد منها ، حتى أنّ البعض منهم أصبح في صفّ الزهّاد والعبّاد.
ولأنّ إحياء القلوب الميتة لا يكون إلّابالذكر الإلهي ، الحياة الروحية التي لن تكون إلّا بظل الخشوع والخضوع وخاصة في أجواء القرآن الكريم ... لذا فإنّ القرآن يشبّه عملية إحياء القلوب الميتة بإحياء الأراضي الميتة ، فكما أنّ هذه تحيا ببركة نزول الأمطار كذلك فإنّ القلوب تحيا بذكر الله سبحانه ... حيث يضيف سبحانه في الآية اللاحقة : (اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْىِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْأَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ).
هذه الآية تشير إلى إحياء الأراضي بوسيلة المطر ، كذلك فإنّ إحياء القلوب الميتة يكون بواسطة ذكر الله وقراءة القرآن المجيد الذي نزل من سماء الوحي على القلب الطاهر للنّبي محمّد صلىاللهعليهوآله وكلاهما جديران بالتدبر والتعقل.
ويرجع مرّة اخرى في الآية اللاحقة إلى مسألة الإنفاق ، والتي هي إحدى ثمار شجرة الإيمان والخشوع ، حيث يتكرر نفس التعبير الذي قرأناه في الآيات السابقة مع إضافة ، حيث يقول تعالى : (إِنَّ الْمُصَّدّقِينَ وَالْمُصَّدّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ).
إنّ المقصود من القرض الحسن لله في هذه الآيات والآيات المشابهة هو الإنفاق في سبيل الله ، بالرغم من أنّ القرض لعباد الله هو من أفضل الأعمال أيضاً.