فمن المؤكد الذي لا ريب فيه أنّه لو لا منازعة الشيخين للإمام وابتزازهما لحقّه لما استطاع معاوية منازعته ، ولقبع في زوايا الخمول هو واسرته.
وعلى أي حال فان من مهازل الزمن أن ينبري معاوية إلى مناهضة عملاق الفكر الإنساني ، وباب مدينة علم النبي صلىاللهعليهوآله ، ويعلن العصيان المسلّح عليه.
إيفاد جرير إلى معاوية :
رأى الإمام عليهالسلام أن يقيم الحجّة على معاوية ، ويدعوه إلى الطاعة والدخول فيما دخل فيه المسلمون ، فبعث إليه جرير بن عبد الله البجلي وزوّده بهذه الرسالة :
« أمّا بعد .. فإنّ بيعتي بالمدينة لزمتك وأنت بالشّام ؛ لأنّه بايعني القوم الّذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بويعوا عليه ، فلم يكن للشّاهد أن يختار ، ولا للغائب أن يردّ ، وإنّما الشّورى للمهاجرين والأنصار ، إذا اجتمعوا على رجل ، فسمّوه إماما كان ذلك لله رضا ، وإن خرج من أمرهم خارج بطعن أو رغبة ردّوه إلى ما خرج منه ، فإن أبى قاتلوه على اتّباع غير سبيل المؤمنين وولاّه الله ما تولّى ، ويصليه جهنّم وساءت مصيرا.
وإنّ طلحة والزّبير بايعاني ثمّ نقضا بيعتي ، فكان نقضهما كردّتهما ، فجاهدتهما على ذلك حتّى جاء الحقّ ، وظهر أمر الله وهم كارهون.
فادخل فيما دخل فيه المسلمون ، فإنّ أحبّ الامور إليّ فيك العافية ، إلاّ أن تتعرّض للبلاء ، فإن تعرّضت له قاتلتك واستعنت بالله عليك.