والأحكام التي شرعها الإسلام ، لم يكن شيء مما وقع في عصر الصحابة والتابعين وغيره من العصور. ولو وقع لما كان بتلك الكثرة التي طغت على السنة الصحيحة ، وبدّدت اضواءها ، ولكان من السهل اليسير على الباحث تصفية المكذوب من الأحاديث المنسوبة إلى الرسول ، بعد ان كانت أصول الحديث مدونة في كتاب واحد.
والنتيجة التي لا بدّ للباحث أن ينتهي إليها ان المسؤول الأول عن كل ما صدر من أبي هريرة وغيره من الوضاعين هو الذي منع من تدوين السنة وأحكام الإسلام. ولولاه لم يكن لهؤلاء ذلك المجال الذي اتسع لهم ، بسبب رأي الخليفة عمر بن الخطاب ، ولما استطاع ابن أبي العوجاء ان يدس أربعة آلاف حديث يحرم فيها الحلال ويحلل الحرام ، كما أخبر عن نفسه حينما أحس بالموت.
وقد ذكر الأستاذ أبو ريّة في كتابه الاضواء ، سيلا من الأحاديث التي دسها كعب الأحبار وأبو هريرة ووهب بن منبه وعبد الله بن سلام في السنة النبوية وأصبحت بين الأحاديث المروية في صحاح أهل السنة.
ويبدو ان معاوية بن أبي سفيان كان يقرّب اليه كعبا وأمثاله ، ولذا نراهم ينسبون الى الرسول أحاديث في فضل الشام وحمص ومن يسكنهما من المسلمين. فقد روى لمعاوية ان الرسول قال : أهل الشام سيف من سيوف الله ، ينتقم الله بهم من العصاة. ومعلوم ان العصاة بنظر كعب الأحبار وسيده معاوية هم علي ومن معه من المسلمين ، في العراق وغيرها من بلاد الإسلام ، لأنهم لا يرون ابن هند أهلا للخلافة.
ثم يعود الى الحديث عن الشام وغيرها من المدن التي استطاع معاوية أن يبسط نفوذه فيها ، فيقول : «الشام صفوة الله من بلاده ، إليها يجتبي صفوته من عباده. فمن خرج من الشام الى غيرها فبسخطه