وبالاضافة الى هذه الأدلة ، يحتج مالك (١) فيما يذهب اليه من ان الاجماع الذي يجب اتباعه هو إجماع اهل المدينة ، بأن المدينة دار هجرته ، ومهبط الوحي الإلهي ، وبها استقر الإسلام وصارت له دولة ، وتوحدت فيها شريعته ، واجتمع فيها صحابته من المهاجرين والأنصار ، ولازموه دهرا طويلا ، فعرفوا أسرار التنزيل الذي شاهدوه وتشربوه وعملوا به ، وكانوا اعرف الناس بأحوال الرسول وما كان منه من قضاء وأحكام تشريعية ، وما الى ذلك مما يتعلق بالتشريع وأصوله. وينتهي من ذلك الى نتيجة حتمية بزعمه ، وهي ان الحق لا يخرج عما يذهبون اليه ، وان ما يجتمعون عليه يكون حجة شرعية ، لها قيمتها التي لا يجوز إنكارها وتجاهلها.
وأما الأصل الرابع الذي جاء التعبير عنه في كلماتهم ، بالرأي تارة ، وبالقياس اخرى ، فأول من وضع نواته عمر بن الخطاب ، كما يظهر من الأستاذ الخضري ، قال : كانت ترد على الصحابة أقضية لا يرون فيها نصا من كتاب او سنة ، وإذ ذاك كانوا يلجأون فيها الى القياس. وأيد دعواه بكتاب عمر بن الخطاب الى ابي موسى الأشعري الذي يقول فيه : «أعرف الأشياء والأمثال وقس الأمور بعضها على بعض». ويرى هذا الرأي ابن خلدون حيث يقول : ان الإجماع والقياس حدثا ايام الصحابة انفسهم ، وبها صارت اصول الفقه اربعة.
ويذكر الدكتور محمد يوسف (٢) عن الإمام ابي بكر السرخسي ، ان مذهب الصحابة ومن بعدهم من التابعين والماضين من أئمة الدين ،
__________________
(١) كما يظهر من موطإه.
(٢) تاريخ الفقه الاسلامي (ص ٢٤٢).