ولا بد لنا من عودة الى هذا الأصل ، عند الكلام على اصول التشريع الجعفري ، في عهد الامام الصادق (ع). والذي أردناه في هذا الفصل ، ان تاريخ العمل بالقياس ، واعتباره دليلا على الأحكام الشرعية ، يتصل بعصر الصحابة ، وبه تكون اصول الأحكام اربعة ، من عصر الصحابة حتى العصور المتأخرة ، التي اشتهر العمل له فيها عند الأحناف بصورة خاصة.
ولا بدّ لنا ، وقد اثبتنا في الفصول السابقة ، ان التشيع لم يكن بأقل نصيبا من غيره في التشريع بعد وفاة الرسول ، بل إذا أضفنا جهود علي (ع) في هذه الناحية ، الى ما قام به الصحابة من الشيعة ، في نشر الأحكام وبيان الحلال والحرام ، لجاز لنا ان نعتبر التشيع اقوى دعامة قام عليها التشريع في عصر الصحابة ، من غير ان نكون قد حابيناه او تحيزنا له في هذه النسبة.
ومن تتبع الموارد التي أفتى بها الشيعة ، يتبين ان الكتاب والسنة مما المصدران الوحيدان للفقه الاسلامي ، من فجر الاسلام حتى العصور المتأخرة. وان الكتاب الذي تداوله المسلمون بينهم ، من عهد الرسول حتى اليوم ، هو المنزل على محمد بن عبد الله (ص) ، بدون تحريف او تبديل ، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وهو مصدرهم الأول في كل ما جاء به الاسلام. وقد جمعت آياته الواردة في مقام التشريع ، سواء ما كان منها واردا في العبادات او المعاملات والأحوال الشخصية والجنائية ، فبلغت نحوا من خمسمائة آية ، جمعها ووزعها على ابواب الفقه ، وبين اسباب نزولها وتاريخه ، جماعة من اعلام الشيعة ، منهم الجزائري والمقدادي وغيرهما (١).
__________________
(١) كنز العرفان في فقه القرآن للمقدادي ، وقلائد الدور في بيان آيات الأحكام بالأثر للجزائري.