الأحكام ، لأن الاستحسان هو العدول عن قياس الى آخر اقوى منه (١). والمصالح المرسلة التي يعبر عنها الغزالي بالاستصلاح ، هي المصلحة التي لم يشرع الشارع حكما على طبقها ولم يدل دليل شرعي على اعتبارها او إلغائها (٢). ولا يجوز الاعتماد عليهما في الأحكام عند القائلين بهما ، الا مع فقد النص ، من كتاب او سنة.
ومن الصعب ان نجد لهذا النوع من الاجتهاد ما يبرره ، بعد توفر الأدلة من الكتاب والسنة : أما بنصوصيتها ، او بإطلاقها وعمومها. وأما الاجتهاد الذي لا بد منه ، بعد أن كانت الحوادث غير متناهية ، فمن موارده ما إذا كان النصوص الواردة في الوقائع المختلفة ظنية الدلالة على نحو يكون المراد مرددا بين امرين او امور ، وكلها لا تتنافى واغراض المشرع. ففي مثل ذلك لا بد من الاجتهاد لتعيين مراد المتكلم. ولكنه اجتهاد في حدود فهم المراد من النص وترجيح احد معنييه او معانيه. وعلى المجتهد في مثل هذه الحالة ، ان يبذل جهده في هذا الترجيح بالرجوع الى الأصول اللغوية والقواعد المجعولة لتعيين المراد من ظواهر الكلام. أما الواقعة التي لا يشملها النص بعمومه او بإطلاقه ولم ينعقد عليها إجماع الفقهاء ، فلا بد فيها من الاجتهاد بالرأي في مقام الإفتاء والقضاء ، وذلك بالرجوع الى القواعد العامة والأصول التي لا بد من الرجوع اليها في مثل ذلك ، شرعية كانت أو عقلية.
وهذا النوع من القضاء والافتاء بالرأي ، هو الذي أقره الرسول في حديث معاذ بن جبل ، وامتدحه عليه ، وحمد الله الذي وفق رسول رسوله لما
__________________
(١) ملخص إبطال القياس والاستحسان لابن حزم (ص ٥٠).
(٢) مقدمة النص والاجتهاد للسيد محمد تقي الحكيم ، أستاذ أصول الفقه في كلية منتدى النشر ، نقلا عن خلاصة التشريع الإسلامي وعلم أصول الفقه.