يريده الله ورسوله على تقدير صحة الرواية وليس منه القياس والاستحسان كما القائلون بهما ، ومهما كان الحال فقد ظهر الاجتهاد بين فقهاء الصحابة وبرز في فتاويهم وأقضيتهم في تطبيق آيات الأحكام ونصوص السنة في موارد كثيرة وتعداهما الى القياس والاستحسان كما أشرنا الى بعض تلك الاجتهادات في الفصول السابقة. ولكن هذه النزعة لم تكن بارزة في احكامهم وأقضيتهم ، كما برزت في عهد التابعين وتابعيهم ، وعلى الأخص بين فقهاء العراق ، الذين اشتهروا بالرأي ، كما اشتهر فقهاء الحجاز بالحديث ، لأسباب اهمها تلك الحياة المتجددة والمتغيرة بما عرض لها من تطورات سريعة ، بعد ان فتح الله على المسلمين بلاد الفرس والرومان وشمالي افريقيا ، وغيرها من الأقطار التي غزاها الاسلام.
ومما لا شك فيه ان لكل من هذه الأقطار حضارتها وعوائدها واعرافها التي تخصها. وكم يرى من الفرق بين الحياة التي كان يحياها الرسول وصحابته في دنياهم المحدودة يوم ذاك ، تلك الحياة البسيطة الهادئة ، وبين تلك الحياة التي عاش فيها الفقهاء بعد عصر الرسول وصحابته ، وانتشر فيها الاسلام في الشرق والغرب والشمال والجنوب ، فكان مما لا بد منه أن يتأثر العرب الغزاة ، بما في تلك البلاد ، من العادات والتقاليد والنظم الاقتصادية والاجتماعية ، مما تتصل بحياة الانسان اتصالا مباشرا وتؤثر على تفكيرهم ، حتى في فهم نصوص القرآن وذلك من دواعي نمو التشريع وتضاعف جهود الفقهاء وحملة الحديث ، في تطبيق تلك القواعد العامة ، التي وردت في الكتاب والسنة ، على تلك الوقائع والحوادث التي تجددت مع الزمن ، لا سيما وان المأثور عن الرسول (ص) من قضاء واحكام ، في الموارد الخاصة وما طبقه من تلك القواعد الكلية التي وردت في الكتاب على الحوادث