والوقائع التي مرت في عصره تلك الموارد والموضوعات التي اعطاها الرسول احكامها لم تكن في الغالب تشبه ما تجدد مع الزمن من أوضاع وحوادث اقتضتها طبيعة الحياة الجديدة التي استقبلها المسلمون بما فيها من عادات واعراف تخصها.
واقتضى ذلك ان تتضاعف جهود العلماء والمفتين في البحث عن النصوص الاسلامية وفهم المراد منها ليستطيعوا ربطها بتلك الكليات التي وردت في الكتاب والسنة وتطبيقها على الجزئيات التي تتجدد مع الزمن. وهذا ما لم تدع اليه الحاجة في عصر التشريع وما بعده من عصر الصحابة ، لعدم التبدل المحسوس في الأوضاع ، في تلك الفترة من الزمن. ومن اجل ذلك ، كان لعصر التابعين ذلك الطابع الخاص ، واشتهر فيه العمل بالرأي والاجتهاد بين الفقهاء ، وعلى الأخص ما كان منهم خارج الحجاز ، كالعراق مثلا ، التي اشتهر فقاؤها بأهل الرأي (١).
وهذا النوع من الاجتهاد مما لا بد منه في مثل هذه الحالات ، لأن الاسلام بطبيعته لا يحجز في الرأي على أحد ، ما دام العلماء يسيرون في فلك القرآن وسنة الرسول ، الذي لا ينطق عن الهوى.
على انه قد يتعسر احيانا على القضاة والفقهاء ، ربط بعض الحوادث بتلك القواعد العامة ، التي وردت في الكتاب والسنة ، او تطبيقها على الجزئيات المتجددة وفي مثل ذلك لا مفر من الحكم بآرائهم ، بعد الفحص والتحري عن الواقع ، وقد اقر الرسول (ص) معاذا وامتدحه على قضائه في مثل هذه الحالات كما ذكرنا على تقدير صحة الحديث.
__________________
(١) تاريخ الفقه الاسلامي (ص ٢٨).