ومحهما كان الحال ، فالاجتهاد الذي شاع بين فقهاء التابعين وامتازوا به عن فقهاء الصحابة ، لم يكن خارجا عن فلك القرآن والسنة ، وانما كان في فهمهما ، وتطبيق الكليات على ما تجدد من الحوادث التي لم يكن شيء منها في الغالب يشبه ما كان في عصر التشريع وما بعده من فجر عصر الصحابة وقد يتعداهما الى القياس وغيره. وليس السبب فيه ما يدعيه المستشرق (جولدشيهر) من ان الاسلام لم يأت الى العالم بطريقة كاملة ، وان القرآن نفسه لم يعط من الأحكام الا القليل ، ولا يمكن ان تكون احكامه شاملة لهذه العلاقات غير المنتظرة كلها ، مما جاء عن الفتوح ، وانه كان مقصورا على حالات العرب الساذجة ومعنياتها ، بحيث لا يكفي لتلك الأوضاع الجديدة التي نجمت عن الفتوح (١).
ومن ذلك ينتهي الى ان الاجتهاد كان مما لا بد منه. وعلى أساسه تطور الفقه ، وشاع العمل بالرأي بين الفقهاء.
ولا بد لنا من الوقوف معه حول هذا الرأي وعلى الأخص عند قوله : احكام الاسلام كانت مقصورة على حالات العرب الساذجة.
فالناظر في أدلة التشريع ، سواء في ذلك ما ورد منها في العبادات ، أو المعاملات ، أو الأحوال الشخصية والجنائية وغيرها يرى القرآن لم يتوجه في تلك الخطابات الى طبقة خاصة ، أو صنف من أصناف الانسان ، في عصر من العصور ؛ بل توجه بما فيه من تشريع وغيره الى العالم كله بطريقة كاملة. جمعت بين الدنيا والدين ، وهو كغيره من بقية القوانين ، جاء بشكل نظام كلي شامل ، وترك التفاصيل للقائمين على
__________________
(١) تاريخ الفقه الاسلامي ، عن كتاب العقيدة والشريعة في الاسلام ، للمستشرق المذكور.