ويمكن تلخيص الأسباب التي من أجلها شاع الاجتهاد والرأي بين فقهاء التابعين ، وامتازوا بها على من تقدم من فقهاء الصحابة ، بالأسباب التالية :
أولا : كثرة النوازل والحوادث الناتجة عن انبثاق فجر جديد للاسلام ، بعد أن تعدى حدود البلاد العربية ، التي انبثق فجره بها الى تلك البلاد التي تختلف أشد الاختلاف ، في عاداتها وتقاليدها وجميع شؤونها الاقتصادية والاجتماعية ، فأدى ذلك حتما الى الاختلاف في جميع أسباب الحياة وشؤونها ، وكان من آثار ذلك أن تجددت لسكان تلك البلاد حوادث لم تكن في الغالب تشبه ما كان في عصر الرسول وصحابته ، وكان من المفروض على الفقهاء أن يعلموا الناس الأحكام ، ويفقهوا الناس في الدين ، حسبما تقتضيه الحاجة. وفي مثل ذلك لا بد من الاجتهاد في فهم النصوص الاسلامية وتطبيقها على الحوادث التي تقتضيها أوضاع تلك البلاد واعرافها الخاصة. وقد تدعو الحاجة الى الحكم بالرأي أحيانا ، فيما اذا لم تتوفر النصوص ، أو كانت محاطة بما يوجب عدم الوثوق بها ، أو عدم الاطمئنان لدلالتها.
ثانيا : كثرة الكذب في الحديث ، بعد أن فسح الأمويون المجال لفئة من الدخلاء على الاسلام وقربوهم ، لأغراض سياسية ، حتى وضعوا آلاف الأحاديث في الحلال والحرام وغيرهما ، بين الأحاديث الصحيحة. فلم يعد بالإمكان تصديق كل ما يروى عن الرسول ، بعد أن وصل الحديث الى التابعين ، وفيه الصحيح والمكذوب. وكان من نتيجة ذلك أن كثيرا من الأحاديث ، كانت محلا للريب والشبهة بنظر الفقهاء المتفرقين في الأمصار. واقتضى ذلك عدم الأخذ بها والاعتماد على الاجتهاد والرأي أحيانا. ومجمل القول في ذلك أن كثرة الحديث