٣ ـ الإيجاز الدقيق مع الإطناب في مقامه ، وظهر ذلك في فقره ، وسجعاته الفريدة ، التي يجمل بكلّ أديب أن يحفظ الكثير منها ليكون بيانه التكوين العربي السليم.
٤ ـ المحسّنات البديعيّة في نمط ممتاز ، من جناس إلى طباق وترصيع وإلى قلب وعكس ، تزدان بجمالها البلاغة ويكمل بها حسن الموقع.
٥ ـ الجرس والموسيقى ، وجمال الإيقاع ممّا يدركه أهل الذوق الفنّي.
ويحسن قبل الختام أن أشير إلى ما نوّه به صاحب الطراز الإمام يحيى اليمني ، فقد تكرّر ذلك في عدّة مناسبات وأوّلها تمثيله للبلاغة في أوّل كتابه ، قال : «فمن معين كلامه ارتوى كلّ مصقع خطيب ، وعلى منواله نسج كلّ واعظ بليغ ، إذ كان عليه السلام مشرع البلاغة ، وموردها ، ومحط البلاغة ومولدها وهيدب مزنها الساكب ومتفجر ودقها الهاطل»(١).
وعن هذا قال أمير المؤمنين عليهالسلام في بعض كلامه : «نحن أمراء الكلام ، وفينا تشبّثت عروقه ، وعلينا تهدّلت أغصانه»(٢) ، ثمّ أورد مثالاً من أوّل خطبة في نهج البلاغة وقال : «العجب من علماء البيان والجماهير من حذّاق المعاني كيف أعرضوا عن كلامه وهو الغاية التي لا مرتبة فوقها ، ومنتهى كلّ مقصد في جميع ما يطلبونه ، من المجازات والتمثيل
__________________
(١) الهيدب من السحاب : المتدلّي الذي يدنو من الأرض ، وتراه كأنّه خيوط عند انصباب المطر. والودق : المطر. قال تعالى : (فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ) سورة الروم ٣٠ : ٤٨.
(٢) نهج البلاغة : خطبة ٢٣١.