الاعتبار
إن مادة «عبر» كما يذكر «معجم مقاييس اللغة» لها أصل واحد يدل على النفوذ والمضيّ في الشيء ، والعابر هو الناظر في الشيء ، والعبرة كالموعظة مما يتعظ به الانسان ويعمل به ويعتبر ليستدل به على غيره ، والعبرة ـ بفتح فسكون ـ هي الدمع لأنه يجري ، والاستعبار تحلّب الدمع ، وفي حديث أبي بكر أنه ذكر النبى صلىاللهعليهوسلم ثم استعبر فبكى.
والعبرة ـ بكسر فسكون ـ هي الحالة التي يتوصل بها العاقل من معرفة المشاهد إلى ما ليس بمشاهد ، والعبرة أيضا هي الدلالة الموصّلة إلى اليقين ، المؤديّة إلى العلم ، وهي من العبور ، كأنها طريق يعبر به ، ويتوصل به إلى المراد ، وقيل : العبرة هي الآية التي يعبر بها الانسان من منزلة الجهل إلى منزلة العلم ، وقد جاء في حديث أبي ذر : فما كانت صحف موسى؟. قال : كانت عبرا كلها. ومن طبيعة المعتبر بالأشياء أو بالآيات أو الأخبار أن تتكون له صفة يقتدر بها على ترك الجهل وبلوغ العلم حسبما يلوح له من عبر. وحينما يقول الحق جل جلاله : (فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ) كأنه قد قال وهو أعلم بمراده : انظروا إلى من فعل ما فعل ، فجوزي بما جوزي به ، فتجنبوا صنيع الأشرار من السابقين ، لئلا ينزل بكم مثل ما نزل بأولئك.
وفي مادة «العبرة» معنى الضبط والتمييز ، ولذلك تقول اللغة : عبّر الصيرفيّ الدنانير تعبيرا : أي وزنها دينارا دينارا. وفيها معنى البيان والإيضاح ، ولذلك يقول القرآن الكريم : (يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُءْيايَ