ولقد حض القرآن الكريم على فضيلة التذكر ، وأمر بها ، وندب إليها ، ورغّب فيها ، فجاء في سورتي الأنعام والسجدة قوله : (أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ) وجاء قوله : (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) سبع مرات ، وجاء قوله : (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) ست مرات ، وجاء قوله : (لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) الخ. ويتنقل القرآن إلى أسلوب آخر من أساليب الحث على التذكر والدعوة إليه ، ولفت البصائر لشأنه ، فيقول : (كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ ، فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ).
وكتاب الله الحكيم يرشدنا إلى أن التذكر القويم يحتاج إلى فهم ووعي وتبصر ، حتى ينتفع الإنسان بالتذكرة ويستجيب لها على وجه سليم ، ولذلك يقول القرآن ضمن صفات عباد الرحمن المذكورة في سورة الفرقان : (وَالَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَعُمْياناً) والمعنى كما يقول المفسرون أنهم لم يقيموا عليها غير واعين لها ، ولا متبصرين بما فيها ، كمن لا يسمع ولا يبصر بل أكبوا عليها سامعين بآذان واعية ، مبصرين بعيون واعية ، فالمراد من النفي هنا نفي الحال لا نفي الفعل.
ولذلك كان من شأن أهل التذكر البصير أن يسارعوا إلى مواطن العبادة والطاعة. حينما تنفحهم نفحات الذكرى والتذكرة ، كما يقول الحق في سورة السجدة : (إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً ، وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ، وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ ، تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً ، وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ ، فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ ، أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ).
وأهل التذكر والذكرى ليسوا كل من هبّ ودب ، بل هم خواص لهم صفات إذا تحلوا بها جاءتهم الذكرى على وجهها فنفعت وأفادت ، ومن هذه الصفات أن يكونوا أصحاب عقل خالص من الشوائب. ولذلك كرر القرآن قوله : (إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ) وأن يكونوا أهل استجابة بقلوبهم وأسماعهم ، ولذلك يقول القرآن في سورة ق : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) ، وأن يكونوا من أهل الانابة ، وهي الرجوع إلى الله بالتوبة