ظلمات الجاهلية أفرادا تحنفوا وتطهروا ، واعتزلوا مسالك الانحراف ومواطن الاعتساف ، وتلمسوا الطريق الى الاستقامة والهداية على قدر طاقتهم ، ومن هؤلاء زيد بن عمرو بن نفيل الذي ترك عبادة الاوثان قبيل اشراق الاسلام ، وحاول أن يكون حنيفا على طريقة ابراهيم عليهالسلام ، وقد روي عن اسماء بنت ابي بكر رضي الله عنهما أنه كان مسندا ظهره الى الكعبة وهو يقول : «يا معشر قريش ، والذي نفس زيد بيده ، ما أصبح أحد منكم على دين ابراهيم غيري». ثم يقول : «اللهم اني لو أعلم أحب الوجوه اليك عبدتك به ، ولكني لا أعلم». ويقول : «الهي اله ابراهيم ، وديني دين ابراهيم».
وكان زيد يحيي الموءودة ، واجتمع مع نفر من عقلاء قومه ، وتباحثوا في أمر الاصنام فذكروا أن عبادتها ضلال ، «فخرجوا يطلبون ويسيرون في الارض ، يلتمسون الحنيفية دين ابراهيم». ولم يكن فيهم ـ كما يقول ابن كثير ـ أعدل أمرا وثباتا من زيد بن عمرو ، فقد اعتزل الاوثان ، وفارق الاديان من اليهود والنصارى والملل كلها ، الا دين ابراهيم دين الحنيفية ، يوحد الله ، ويخلع ما دونه ، ولا يأكل ذبائح قومه ، ولاقى في سبيل ذلك ألوانا من الايذاء.
وخرج زيد الى الشام يلتمس الهدى ، ويطلب في أهل الكتاب الاول دين ابراهيم ويسأل عنه ، فدله أحد الرهبان على أن نبيا قد آذن وقت ظهوره في مكة ، فعاد زيد مسرعا ، ولكنه لقي مصرعه في الطريق. ويروي ابن كثير أنه حينما ذكروا زيدا وشأنه أمام النبي قال : «هو أمة وحده يوم القيامة».
ورووا لزيد بن عمرو أشعارا تتسم بالحنيفية والتحنف والتطهر ، ومن ذلك قوله :