لنفسك. فما أمرك بمهم لغيرك. ولا تضيعي أوقاتك ، فالأنفاس معدودة ، فاذا مضى منك نفس فقد ذهب بعضك. فاغتنمي الصحة قبل السقم ، والفراغ قبل الشغل ، والغنى قبل الفقر. والشباب قبل الهرم. والحياة قبل الموت. واستعدي للآخرة على قدر بقائك فيها.
يا نفس. أما تستعدين للشتاء بقدر طول مدته ، فتجمعين له القوت والكسوة والحطب وجميع الأسباب. ولا تتكلين في ذلك على فضل الله وكرمه. حتى يدفع عنك البرد من غير جبة ولبد وحطب وغير ذلك. فانه قادر على ذلك.
أفتظنين أيتها النفس أن زمهرير (١) جهنم أخف بردا وأقصر مدة من زمهرير الشتاء؟ أم تظنين أن ذلك دون هذا؟ كلا أن يكون هذا كذلك. أو يكون هذا كذلك ، أو يكون بينهما مناسبة في الشدة والبرودة.
أفتظنين أن العبد ينجو منها بغير سعي؟. هيهات. كما لا يدفع برد الشتاء الا بالجبة والنار وسائر الأسباب ، فلا يندفع حر النار وبردها الا بحصن التوحيد وخندق الطاعات ، وانما كرم الله تعالى في أن عرّفك طريق التحصن. ويسّر لك أسبابه ، لا في أن يدفع عنك العذاب دون حصنه.
كما أن كرم الله تعالى في دفع برد الشتاء أن خلق النار. وهداك لطريق استخراجها من بين حديدة وحجر ، حتى تدفعي بها برد الشتاء عن نفسك. وكما أن شراء الحطب والجبة مما يستغني عنه خالقك ومولاك وانما تشترينه لنفسك ، اذ خلقه سببا لاستراحتك ، فطاعاتك ومجاهداتك أيضا هو مستغن عنها ، وانما هي طريقك الى نجاتك ، فمن أحسن فلنفسه ، ومن أساء فعليها ، والله غني عن العالمين.
__________________
(١) الزمهرير : شدة البرد.