بلسان الحال أو لسان المقال ، وهم منقادون لفعله فيهم لا يمتنعون عليه ، خاضعون لارادته ، مقرون بألوهيته ، شاهدون عليها بألسنة أحوالهم وان لم تنطق بها ألسنة مقالهم.
ويقول القرطبي : كل موجود في السموات والأرض ملك لله بالايجاد والاختراع ، وكلهم مطيعون خاضعون ، فالمخلوقات كلها تقنت لله ، أي تخضع وتطيع ، والجمادات قنوتها في ظهور الصنعة عليها وفيها ، وكل مخلوق من المخلوقات قائم بالشهادة أنه عبد لله ، فالخلق قانتون قائمون بالعبودية.
ويقول الطبري : ان أولى معاني القنوت في قوله تعالى : (كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ) هو الطاعة والاقرار لله عزوجل بالعبودية ، بشهادة أجسامهم بما فيها من آثار الصنعة ، والدلالة على وحدانيته عزوجل ، وأن الله ـ تعالى ذكره ـ بارئها وخالقها ، وذلك أن الله جل ثناؤه أبطل زعم الذين زعموا أن لله ولدا بقوله : (بَلْ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ملكا وخلقا ، ثم أخبر عن جميع ما في السموات والأرض أنها مقرة بدلالتها على ربها وخالقها ، وأن الله تعالى بارئها وصانعها ، وان جحد ذلك بعضهم فألسنتهم مذعنة له بالطاعة ، بشهادتها له بآثار الصنعة التي فيها ذلك.
وهنا يقف الانسان المفكر المتدبر متعقلا ومتأملا : اذا كان كل من في الكون ، وكل ما في الكون ، من مخلوقات ، مسخرا لأمر الله ، خاضعا لجلاله ، خاشعا بالقهر والتسخير لسلطانه ، فايهما أجدر بالانسان العاقل وأليق؟ أن يساق على الرغم منه بالقهر والقوة الى ساحة الخضوع والخشوع ، أم يشكر نعمة الله وتكريمه ، ويستشعر هيبته وجلاله ، فيتحلى بفضيلة القنوت الذي هو خضوع وخشوع عن طريق الاقتناع والايمان ، فيقنت لربه في الليل والنهار ، مقرا بربوبيته ، مقبلا على طاعته ، متدثرا بثوب الاحسان والاتقان والاستقامة على التقرب اليه؟