وورد في الشرع استحباب تلقين الميت معتقداته بعد موته ، وأن الملائكة الذين يأتون لسؤال الميت عن ذلك يعودون من حيث أتوا ، حيث يرون أن الميت قد لقن حجته ، وأصبح قادرا على الإجابة الصحيحة.
ولكن قد يقال : إن هذا إما جار على سبيل الإعجاز ، كما فيما جرى للنبي [صلىاللهعليهوآله] وللإمام علي [عليهالسلام] ، أو هو نشأة خاصة بالنشأة الأخرى ، أو أن الكلام إنما هو مع الروح ، وليس لحاسة السمع لدى الميت دور في ذلك ، كما في المثالين الأخيرين.
سامع أم سميع؟ :
ولأنه لا يكفي في الهداية بواسطة الأنبياء مجرد وجود سمع وبصر ، بل تحتاج إلى سميعية وبصيرية ، فقد أراد أن يبين مدى وحدود فعالية حاستي السمع والبصر ، من حيث إن الابتلاء قد أنتج شدة رهافة في السمع ، وحدة في البصر ، بسبب حالة من الاحتكاك والصراع بين متطلبات الجسد ، ومتطلبات الفطرة الإنسانية ، التي تنشد الحصول على كمالاتها ، وقد نشأ ذلك عن تلك الأمشاجية ، بما فيها من مزايا روحية ونفسية ، وملكات ، هي مبادىء للإدراك ، ثم الاختيار والإرادة ، التي هي مبدأ صدور الأفعال من الإنسان ..
وحتى في الاستعمالات العرفية ، فإنه فرق بين قولك : بصرت الشيء أو بصرت به ، بمعنى وقع نظرك عليه ، وبين قولك : أنا بصير بالشيء ، أي خبير به ، أي عارف بخفاياه وأسراره ، سواء أكانت خبرتك أتت عن طريق البصر ، أم السمع ، أم القراءة ، أم اللمس ، أم الوحي ، أم غير ذلك. فكلمة بصير عندهم كناية عن عمق الخبرة بالشيء. ولأجل ذلك لم يكف قوله : «سامعا مبصرا» ، عن قوله : «سميعا بصيرا» ..