ب ـ فصل
في نوعي الاختلاف في التفسير
النوع الأول : ما مستنده النقل أو بغير ذلك.
والنقل : إما أن يكون عن المعصوم أو غيره فمنه ما يمكن معرفة الصحيح منه والضعيف منه ما لا يمكن.
أما ما يحتاج إليه المسلمون فإن الله نصب على الحق فيه دليلا فمثال ما لا يفيد ولا دليل على صحته ، اختلافهم في لون كلب أصحاب الكهف ، وفي مقدار سفينة نوح ، وفي الغلام الذي قتله الخضر واسمه. فمثل هذا المنقول عن كعب الأحبار ، ووهب وابن إسحاق وغيرهم. ممن يأخذ عن أهل الكتاب ، فهذا لا يجوز تصديقه ولا تكذيبه. إلا بحجة كما ثبت في الصحيح : «إذا حدثكم أهل الكتاب ، فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم فإما أن يحدثوكم بحق فتكذبوه ، وإما بباطل فتصدقوه» «فتح الباري» (٥ / ٣٢٣ و ٨ / ١٣٨) «ومسند أحمد» (٤ / ١٣٦) ومعلوم أن المنقول في التفسير أكثره يشابه المنقول في المغازي والملاحم لذا قال الإمام أحمد : ثلاثة أمور ليس لها إسناد : التفسير ، والملاحم ، والمغازي ، ويروى عنه : ليس لها أصل. أي إسناد.
لأن الغالب عليها المراسيل مثل ما يذكره عروة والشعبي والزهري وابن إسحاق والواقدي ونحوهم.
أما التفسير : فأعلم الناس به أهل مكة ، لأنهم أصحاب ابن عباس كمجاهد وعطاء وعكرمة وابن جبير وغيرهم.
والمراسيل : إذا تعددت طرقها وخلت عن المواطأة قصدا كانت صحيحة اتفاقا.
وللناس في التفسير مذاهب :
الطرف الأول : أهل الكلام ونحوهم ممن هو بعيد عن معرفة الحديث وأهله لا يميز بين الصحيح والضعيف ، فيشك في صحة أحاديث مقطوع بصحتها.
وطرف ثان : يدّعي اتّباع الحديث لكن كلما وجد لفظا في حديث رواه ثقة يجعله دليلا له ، ولكنه إذا وجد ما يخالف مذهبه أخذ يتكلف له ويتأوله.
وكما أن هناك أدلة على القطع بصحة الحديث فإن هناك أدلة تقطع بكذب ما يرويه الوضاعون من أهل البدع والغلو في الفضائل. مثل حديث «من صلّى ركعتين يوم عاشوراء له أجر كذا وكذا نبيا» في التفسير من هذه الموضوعات كثير. ومثل الحديث الذي يرويه الثعلبي والواحدي والزمخشري في فضائل السور سورة سورة ، فهو موضوع باتفاق أهل العلم.
والثعلبي : هو في نفسه فيه خير ودين ، ولكنه كحاطب ليل ينقل من كتب التفسير الصحيح والضعيف والموضوع.
والواحدي صاحبه ، كان أبصر منه بالعربية ، لكنه أبعد منه عن اتباع السلف ، والبغوي : تفسيره مختصر من الثعلبي ، لكنه صان تفسيره عن الأحاديث الموضوعة والآراء المبتدعة.