حفص في سورة نوح [٢٨] ، (لِلطَّائِفِينَ) : الدائرين حوله ، (وَالْعاكِفِينَ) : المقيمين المجاورين ، (وَالرُّكَّعِ) ، جمع راكع ، (السُّجُودِ) : جمع (١) ساجد ، وهم المصلون ، قال الكلبي ومقاتل : (الطائفين) : هم الغرباء و (وَالْعاكِفِينَ) أهل مكة ، قال عطاء ومجاهد عكرمة : الطواف للغرباء أفضل ، والصلاة لأهل مكة أفضل.
(وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٢٦))
(وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا) ، يعني : مكة ، وقيل : الحرم ، (بَلَداً آمِناً) ، أي : ذا أمن يأمن فيه أهله ، (وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ) ، إنما دعا بذلك لأنه كان بواد غير ذي زرع ، وفي القصص : أن الطائف كانت من بلاد الشام بأردن ، فلما دعا إبراهيم عليهالسلام هذا الدعاء أمر الله تعالى جبريل عليهالسلام حتى قلعها من أصلها وأدارها حول البيت سبعا ثم وضعها موضعها الذي هي الآن فيه فمنها أكثر ثمرات مكّة ، (مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) : دعا للمؤمنين خاصة ، (قالَ) الله تعالى : (وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ) ، قرأ ابن عامر (فَأُمَتِّعُهُ) خفيفا بضم الهمزة ، والباقون مشدّدا ، ومعناهما واحد ، (قَلِيلاً) ، أي : سأرزق الكافر أيضا قليلا إلى منتهى أجله ، وذلك أن الله تعالى وعد الرزق للخلق كافة مؤمنهم وكافرهم ، وإنما قيّد بالقلة لأن متاع الدنيا قليل ، (ثُمَّ أَضْطَرُّهُ) ، أي : ألجئه في الآخرة : (إِلى عَذابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) ، أي : المرجع يصير إليه ، قال مجاهد : وجد عند المقام كتاب فيه : أنا الله ذو بكة صنعتها يوم خلقت الشمس والقمر وحرّمتها يوم خلقت السموات والأرض ، وحففتها بسبعة أملاك (٢) حنفاء ، يأتيها رزقها من ثلاثة سبل ، مبارك لها في اللحم والماء.
(وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١٢٧))
قوله عزوجل : (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ) ، قال الرواة (١) : إن الله تعالى خلق موضع البيت قبل الأرض بألفي عام وكانت زبدة بيضاء على الماء فدحيت الأرض من تحتها ، فلما أهبط الله آدم إلى الأرض استوحش ، فشكا إلى الله تعالى فأنزل الله البيت المعمور من ياقوتة من يواقيت الجنة له بابان من زمرّد أخضر باب شرقي وباب غربي ، فوضعه على موضع البيت ، وقال : يا آدم إني أهبطت لك بيتا تطوف به كما يطاف حول عرشي وتصلّي عنده كما يصلى عند عرشي ، وأنزل الحجر وكان أبيض فاسودّ من لمس الحيّض في الجاهلية ، فتوجّه آدم من أرض الهند إلى مكّة ماشيا ، وقيّض الله له ملكا يدلّه على البيت ، فحجّ البيت وأقام المناسك ، فلما فرغ تلقّته الملائكة وقالوا (٣) : برّ حجّك يا آدم ، لقد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام. قال ابن عباس رضي الله عنه (١) : حجّ آدم أربعين حجة من الهند إلى
__________________
(١) لا يصح من هذه الأقوال شيء عن الصادق المصدوق صلىاللهعليهوسلم ، وإنما مصدرها كتب الأقدمين لا حجة فيها ، وقال الحافظ ابن كثير في «البداية والنهاية» (١ / ١٦٣ ـ ١٦٥) ما ملخصه : لم يرد في خبر صحيح عن المعصوم صلىاللهعليهوسلم أن البيت كان مبنيا قبل إبراهيم الخليل عليهالسلام ا ه. قلت : بل هو معارض بحديث أبي ذر في «الصحيحين ، بأنه أول مسجد وضع ، ثم المسجد الأقصى» ، وأن ما بينهما أربعين عاما ، وسيأتي.
__________________
(١) سقط من المطبوع.
(٢) في المطبوع «أفلاك».
(٤) في المخطوط «وقالت».