ـ ومع ذلك فقد أورد آثارا عن ابن عباس وغيره من وجوه وطرق ليست في أول الكتاب.
ومما يؤخذ على المصنف رحمهالله نقله عن الكلبي ومقاتل وجويبر وغيرهم ممن هو متروك أو متهم بالكذب ، لكن الظاهر أنه تابع غيره ، فعامة المفسرين ينقلون عن هؤلاء وغيرهم.
ـ وأكثر ما نقل عن هؤلاء هو في باب أسباب النزول.
٣ ـ البغوي الإمام اللغوي :
إن الصورة التي تركها الإمام البغوي من خلال هذا التفسير هي أنه إمام لغوي ، يفسر الآية ، ويبين معناها بلفظ موجز سهل ، بحيث يفهمه الطالب المتخصص وغير المتخصص.
ـ وهو يعتمد الاختصار في مباحث النحو والإعراب فكتابه مختصر عن كتابي الثعلبي والواحدي.
ـ وربما ذكر أقوالا عن أئمة اللغة مع العزو لقائله ، وهذا قليل فمن ذلك : عند قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها) [البقرة : ٢٦]. فقال (فَما فَوْقَها) يعني : الذباب والعنكبوت ، وقال أبو عبيدة : أي فما دونها كما يقال : فلان جاهل ، فيقال وفوق ذلك ، أي : وأجهل.
ـ وقال في الآية (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ) [البقرة : ٣١] قال المبرد : إذا جاء إذ مع المستقبل كان معناه ماضيا كقوله تعالى : (وَإِذْ يَمْكُرُ) [الأنفال : ٣٠] يريد وإذا مكر ، وإذا جاء إذا مع الماضي كان معناه مستقبلا ، كقوله : (فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ) [النازعات : ٣٤] و (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ) أي : يجيء.
ـ وقال في قول تعالى : (وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ ...) [البقرة : ١٧٧] «والصابرين» : وفي نصبها أربعة أوجه : قال أبو عبيدة : نصبها على تطاول الكلام ... وقال الخليل : نصب على المدح.
ـ وقال عند قوله تعالى : (فَرِهانٌ) [البقرة : ٢٨٣] «فرهان» : جمع رهن ، مثل : بغل وبغال ، وجبل وجبال ، والرّهن جمع ، الرهان : جمع الجمع ، قاله الفراء والكسائي.
ـ وقال أبو عبيدة وغيره : هو جمع الرهن أيضا مثل : سقف وسقف.
٤ ـ البغوي الإمام الفقيه :
إن الصورة التي تركها المصنف من خلال هذا التفسير هي أنه إمام فقيه لكنه يعتمد الاختصار في ذلك كما ذكر في مقدمته.
ـ فمن المسائل الفقهية التي سلك فيها الاختصار مسألة السعي بين الصفا والمروة.
ـ فقال عند قوله تعالى : (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ ...) [البقرة : ١٥٨] واختلف أهل العلم في حكم هذه الآية ، ووجوب السعي بين الصفا والمروة في الحج والعمرة ، فذهب جماعة إلى وجوبه ، وهو قول ابن عمرو وجابر وعائشة ، وبه قال الحسن ، وإليه ذهب مالك والشافعي.
ـ وذهب قوم إلى أنه تطوع ، وهو قول ابن عباس ، وبه قال ابن سيرين ومجاهد ، وإليه ذهب الثوري وأصحاب الرأي ، وقال الثوري وأصحاب الرأي على من تركه دم.
ـ ثم أسند حديثين دليلا لمن أوجبه.
ـ ومن ذلك ما ذكره في بحث أكل الميتة ونحو ذلك للمضطر ، وذلك عند قوله تعالى : (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ ...) [البقرة : ٥٨].
ـ ومن الأبحاث التي اختصر فيها بحث الوصية عند الآية ١٨٠ من سورة البقرة (... إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ).